ميدل ايست اونلاين                             22/01/2010

كاتبة وفنانة تشكيلية عربية ترى أن الجنس مجرد رغبة بيولوجية ولا يمكن أن يكون محور اهتمام العمل الإبداعي.

ميدل ايست أونلاين

حاورتها في باريس: هدى الزين

البرقع لا يحتقر المرأة فحسب بل يحتقر الرجل أيضاً

تأسست جمعية جديدة في فرنسا مؤخراً شعارها “الجمعية العربية للدفاع عن حرية التعبير” التي أسسها أخيراً عدد من الإعلاميين العرب في باريس، وتتبنى “الدفاع عن حرية التعبير وديمقراطيته في العالم العربي”.

ورندة قسيس رسامة تشكيلية وكاتبة مقيمة في باريس منذ سنوات وهي إحدى عضوات هذه الجمعية المؤسسين لجمعية حرية التعبير في فرنسا وهي كاتبة وباحثة تحضر لإطلاق كتاب مهم باللغتين الفرنسية والعربية تطرح فيه جملة من النظريات النفسية والعصبية والبيولوجية عن تطور الإنسان، كما تبحث في عمق الأساطير لتستكشف منابعها الأولى.

هناك تخطٍ صريح لأحد عناصر التابو (أو المحرمات الثلاث) الدين والجنس والسياسة. والذي يحرم الخوض فيها سواء في وسائل الإعلام والأدب العربي، الآن نجد حرية الكتابة في الجنس يصل إلى حد صادم أحيانا، خاصة من عدد من الكاتبات العربيات اللواتي خرقن التقاليد المتعارف بها في الكتابة الأدبية النسوية؟ ما رأيك بهذه الظاهرة الجديدة؟

من الطبيعي وبعد قرون من قمع الرغبات الجنسية أن يتوجه البعض نحو طرح هذه الأمور، إلا انه وبعد تمعن، نرى أن الهدف ليس الجنس في حد ذاته فالرغبة الجنسية هي رغبة بيولوجية مثل الطعام والشرب…فهل نتكلم عن الطعام ونجعله محور اهتماماتنا.

الجنس كالأمور الأخرى الأساسية في حياة جميع الكائنات والتمتع به مسألة شخصية وليست حرية فكرية فهو نتيجة وليس هدفاً بحد ذاته، الا انه وللأسف الشديد في مجتمعات تؤمن بالقضاء والقدر وتكرس فكرة الكمال لتحرم الفرد من مصالحة مع ذاته ومع جميع حاجاته البيولوجية ليضيع الهدف الرئيسي عند الأفراد للوصول إلى الفكر الحر والإنسان الحر من خلال نفض جميع المفاهيم والأفكار والرؤى التي حاولت تحديد مساره واتجاهه، فالحرية تبدأ أولا بالتزام بفكر حر غير مقيد، قابل للهدم والتفكيك ومن ثم إعادة بنائه من جديد لتتكرر هذه العملية على مدار السنين والقرون، هذه هي الحرية المتحولة التي لا تستطيع إشباع فكرنا إلا عن طريق البحث والتفكير المستمر من خلال ذاتنا.

هل أصبح مفهوم الأخلاق والقيم الاجتماعية المتوارثة في العصر الحديث تمنع المجتمع من التطور خصوصاً ما يعايشه الشباب من ازدواجية في القيم بين القديم والمعاصر؟ وهل هذا يتماشى مع نظرية مواكبة تقدم العصر ومنجزاته العلمية؟ ام يناقضها في مجتمعاتنا العربية؟

لا شك ان المجتمعات التي تكرس مفهوم الكمال وثقافة الكبرياء وتتوج نفسها على عرش الأخلاق ومعرفة الحقيقة هي مجتمعات قائمة على قمع الفرد وسجنه تحت عباءتها الضيقة، فينطوي الفرد وينعزل تحت ثقافة واحدة ثابتة فيصبح عاجزاً عن التفكير خارج إطار مجتمعه، وبانطوائه يتقوقع المجتمع على نفسه فيصبح الإنسان آلة مبرمجة تحاول القضاء على التنوع ومن هنا نلاحظ ان هذه المجتمعات منحرفة عن الطبيعة المتنوعة، ومن اجل الخروج من حالة القطيع يجب دفع الأفراد نحو التفرد والخروج من دائرة البحث عن الحقيقة، فالحقائق مختلفة ومتغيرة حسب المكان والزمان ولا ننسى أيضاً ان الطبيعة هي من تنتقي حقائقها المتماشية مع تغيراتها.

من خلال حياتك الأوربية لسنوات طويلة، وأنت مقيمة في فرنسا كيف ترين المرأة العربية وواقعها الحالي بعد ان دخلت المجالات العلمية والقيادية ألا تجدين تناقضا بين الفكر والممارسة عند الرجال والنساء في العالم العربي.والنظرة الذكورية لا زالت تحكم المرأة حتى عصرنا هذا؟

بالطبع، فبالرغم من وصول بعض النساء الى بعض المراكز الحساسة الا أننا لا نستطيع المفاخرة بمساواة المرأة مع الرجل، فإذا نظرنا قليلا الى الأحكام والقضاء، نرى التمييز الجنسي لا زال موجوداً.

فقانونا يدافع عن المجرمين من الأخوة او الآباء الذين سمحوا لأنفسهم بقتل ابنتهم او أختهم تحت شعار الشرف، هذا القانون العاجز عن إصلاح مصطلحاته ومفرداته ليس بقانون.

والحكومة التي تدافع عن جرائم قتل تحت عنوان التقاليد وتفضل الموت على الحياة هي حكومة ذكورية قائمة على التمييز بين الجنسين، وقبل الكلام والتشدق عن حرية ومساواة المرأة، عليهم بالبدء أولاً بتطبيق الأحكام المدنية ومن ثم بذل جهودهم في إعطاء معاني جديدة ومساوية لمجتمعهم، فالحرية ليس لها شروط، والإنسان الحر هو من يختار طريقه بنفسه من دون قيود كي يستطيع النضوج فلا يمكنه التعلم إلا من خلال تجاربه الفردية ليتعلم بعدها كيف يشق مساره في هذه الحياة.

أثيرت في فرنسا مسألة “منع ارتداء البرقع” وأصبح هذا الموضوع شاغلاً للعديد من النساء والرجال العرب اللذين يعيشون في الغرب بحجة ان هذا الأمر حرية شخصية؟ كيف تجدين هذه المسألة؟

للبرقع مشكلة أخرى لأنه يمثل الفكر المتشدد القائم على سياسة البطش وتكفير كل من يختلف عنه، فهو لا يحتقر المرأة فحسب بل أراه يحتقر الرجل أيضا، لأنه يعود بالإنسان إلى حالة بدائية ليجعله غير قادر على السيطرة على رغباته، فالإنسان المتحضر هو من يسيطر على جميع حاجاته البيولوجية ليحول العملية الجنسية إلى اختيار متبادل كي يستطيع الوصول إلى اكبر درجات اللذة والمتعة، ولا ننسى أيضاً ان البرقع ليس لباساً عادياً كي ندافع عنه فهو يخبئ وراءه فكراً قمعياً رافضاً للحياة والحرية.

ماذا عن كتابك الذي سيخرج الى النور قريباً؟

كتابي يتكلم عن تطور الإنسان عصبياً ونفسياً وفكرياً، له أربعة أجزاء، أتناول في الجزء الأول التطور البيولوجي والعصبي والنفسي معتمدة على نظريات علمية عديدة أما الأجزاء الأخرى فأتناول بها الأساطير وينبوعها المرتكز على الغرائز الجنسية ومن ثم اطرح ومن نظرة انتربولوجية أصل التابو خصوصاً عند القبائل الاسترالية قديماً، هذا موجز بسيط له، اعتقد إنني سأنهيه في يونيو/حزيران المقبل وسيترجم إلى اللغة الفرنسية ومن ثم الانكليزية.

المصدر : رندة قسيس: مجتمع الفضيلة سجن للفرد