قناة الغد         7/1/2018

بات من المؤكد أن “مؤتمر سوتشي” المزمع عقده آواخر شهر يناير الجاري هو استحقاق سياسي هامٌ يتطلع إليه الجميع، هذا المؤتمر يمثل تطلعات الباحثين عن حلٍ شاملٍ في سوريا، والإعداد الجيد المتواصل له من قبل روسيا يمثل رغبتها الصادقة بإحلال السلام الذي طال انتظاره وإيقاف عجلة الحرب الدائرة منذ سنوات، فالإنجارُ الأهم من وجهة نظر الكثيرين تحقق ضمن إطار “المسار العسكري” الذي احتضنته العاصمة الكازاخية “آستانا” عام 2017 بدعوةٍ من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين و ضمانِ كلٍ من إيران وتركيا لأطراف النزاع السُوري، وآن الآوان لإعلان مسارٍ سياسي ناجح في سوتشي برعايةٍ روسية، فمفاوضات جنيف أثبتت فشلها ولا زالت تراوح مكانها منذ سنين وأرواح السوريين تُزهق.

في “مؤتمر سوتشي” أقولها و بصراحةٍ مباشرة: سنعلن عن بداية النهاية للحرب السورية، وعلينا جميعاً كسوريين أن ندعم مثل هذه المبادرة وأن نتجاوب بشكلٍ إيجابي معها، فالتجارب القريبة والبعيدة في الحالة السورية أثبتت بدون أدنى شك أن الخطابات الشعبوية ورفع السقوف التفاوضية ليست سبيلاً أمثل لخلاص سوريا من الاستبداد والتطرف والإرهاب.

سيما وأن عقليةَ التشدد في التعاطي مع ماهية الحل السياسي الشامل في سوريا لا زالت متحكمة برؤوس المتشددين في النظام والمعارضة على حد سواء، و يدفع السوريون جراء ذلك ثمناً باهظاً من عمرهم و معيشة أطفالهم نتيجة استمرار الحرب، والتاريخ القريب لاجتماعات المعارضة السورية يأخذني نحو “اجتماع آستانا” الأول والثاني عام 2015 حين دعوتُ جميع المعارضين السوريين، وأطلقتُ وقتها إلى جانب زملاء لي حضروا ذلك الاجتماع “مبادرة آستانا” التي أصبحت فيما بعد تُعرف بمنصة آستانا السياسية.

وبما أن الأماني والأحلام وحدها لا تكفي في إعادة الأوطان وتحقيق الانتقال السياسي الديمقراطي المنشود في سوريا فإن تعويلي بشكل واضحٍ على نجاح مؤتمر سوتشي يرتكز إلى أمرين هامين:

أولهما: بحث قضية “الدستور” السوري المستقبلي الذي يكفل حقوق الجميع ويرسي مبادئ الموطنة الحقة بين مكونات المجتمع و ينضم صلاحيات الرئاسة والبرلمان والجيش و يحدد شكل الحكم في الدولة، و قد كانت لنا في “منصة آستانا السياسية” تجربة هامة في هذا الصدد حين عملنا برفقة عدد من الشخصيات الحقوقية والقانونية والدستورية على إنتاج أفكارٍ دستورية جديدة ومفيدة، وعرضنا ذلك على خبراء دوليين من مختلف البلدان الأوربية وغيرها، وخلُصنا بالمحصلة إلى أن العقبة الدستورية من المهم تجاوزها إذا أراد السوريون ولوج ساحة الحل وميدان التفاوض المثمر.

ثانيهما: أن مؤتمر سوتشي سيكون فرصةً لتمثيل أكبر عدد من النخبة السورية الواسعة “نظاماً ومعارضةً و رجال دينٍ و شخصيات قبلية والمرأة ومرجعيات إجتماعية ذات بعدٍ إعتباريٍ جيد”، فضلاً عن آلية توافق سياسيٍ باستطاعة موسكو القيام بها إزاء الملف السوري لأنها على علاقة وطيدة بالدول العربية و الإقليمية الفاعلة كتركيا و إيران، وتفاهمٍ نسبي مع واشنطن إذا صح التعبير.

وهناك جزئية هامةٌ أود تبيانها في ختام مقالتي، ألا وهي قدرة توتير الأجواء السياسية أمرّ سهلٌ لمن يرفضون الحل، الحل الذي بمقدور روسيا فرضه في سوريا لأنها الدولة الوحيدة التي حافظت وتحافظ على وحدة الدولة السورية وإبعادها عن شبح التشظي والتقسيم، والتمسك بثوابت الحل جدياً والسعي لتحقيقها أمرا ليس بالسهل على الساسة الواعين لتقلبات الأمور محلياً و إقليمياً ودولياً، لا سيما وأن سوريا بأمس الحاجة لرمي صفحات هذا الصراع البائس وراء ظهرها والتطلعِ لمستقبل أكثر إيجابية و فائدة لأجيالٍ قادمة.

رندا قسيس تكتب لـ«الغد»: مؤتمر سوتشي.. بداية النهاية