13/12/2009

 أتوجه في البدء إلى أصدقائنا المتدينين الذين يبشرون بسماحة دينهم واستيعابه جميع الضالين لأن الله كائن رحيم، فإذا كان الله رحيم كبير القلب، فعلى المؤمنين به الصبر على جميع المتمردين الباحثين عن التفكير من خلال ذاتهم. وإذا كان هذا الإله القوي القادر على هداية من يشاء فمعنى ذلك أن لديه حكمة في إيجاد أفراد لا يؤمنون به، لذلك على المؤمنين السكوت والرضوخ لمشيئة إلههم العارف في الغيب.

 فمما يخشى المؤمنون الساكنون في أحضان الله الواسعة كل ما هو خارج عن اطارهم الديني؟

أعتقد أن ما يثير حقد بعض المتدينين هو امكانية الملحدين بالتجول بحرية واسعة في أطياف الإله والكون والحرية معاً. فالعبد لا يرغب إلا برؤية الجميع عبيداً، فهو حاسد دائم للحرية والحياة، ينظر بعين حاقدة إلى كل من يستطيع كسر القيد، فهو يحلم بالحرية إلا انه لا يدركها، فإدراكه عاجز عن تجاوز الكلمات والعبارات المنسوخة في كتابه المقدس لأنه عاجز عن إدراك مشاعره وأحلامه. فالإدراك يتم دائماً من خلال الإحساس الذي بدوره يقوم بعمل ترجمي يحول الطاقة الداخلية إلى اداء.

نجد أن الإدراك بحد ذاته عبارة عن عملية بناءة وإبداعية، وهذا ما يفتقده المؤمنون، فهم لا يملكون المفاتيح لخوض هذه التجربة الإبداعية، ليستسلموا إلى عبارات وكلمات سجلت في زمن مضى. لا أعتقد ان المشكلة في الإيمان نفسه بل هي في نفوسهم الراضية بكل ما يملى عليهم، فهم يفتقدون إلى ترجمة الأحداث بمنطق علمي سليم.

كثيراً ما نتساءل عن أسباب تشنج أفراد بعض المجتمعات إزاء الأفكار الجديدة، وبالأخص المجتمعات الدينية، لنرى أن وراء هذا التعنت، حالة مرضية مزمنة منبثقة من المعتقد والإله نفسه الذي يؤمنون به. فهو (أي الإله)ذلك الثابت والمطلق للكمال على حد تعبير اخواننا المؤمنين الذين لا ينفكون عن التشدق به ليكيلوا له جميع الفضائل والمدائح.

فهل حقا هو ذلك الإله العظيم الجبار القادر على كل شيئ والقادر على نصرة من يعتقد به؟

دعونا أولا ً، نتمعن به وننظر له نظرة حيادية، فنراه مصابا بعقد نفسية إنسانية، منها السادية، التشنج، حب العظمة والغرور…فكما نرى من ضمن أسمائه الحسنى (الله، المهيمن، الجبار، المتكبر، القهار، المذل، المنتقم،المتعالي…)، وإذا أردنا سرد أمراضه فلن ننتهي من عدها لأيام عديدة. وإذا تساءلنا عن أصل اصابته بكل هذه العاهات، نجد أن هذه الأمراض المزمنة المتواجدة لديه، ما هي إلا نتيجة الصراعات البشرية ورغبة جماعة ما في السيطرة على أخرى، والبحث الإنساني عن فكرة الكمال والمعرفة.

من الطبيعي أن يشعر الإنسان السابق بعجزه عن فهم أمور كثيرة لم نعد الآن عاجزين عن فهمها واستيعابها.

إذن، لماذا نجد هذا التشبث بهذه القيم والأخلاق التي لم تعد تنفعنا، بل أصبحت هذه  القيم  قيما متسمة ببشاعة أخلاقياتها القائمة على التمييز الديني والعنصري والجنسي ولا ننسى أيضاً التمييز النوعي الذي نحن الآن بصدد إضفاء قيم تتجاوز الكائن الانساني لتشمل الحيوانات والكائنات الحية جميعها.

أعود قليلا إلى مرض الإله المزمن العاشق للدمار والمنافق المنتحل لصفة الصدق والعطاء. نرى أن مرضه هو مرض الكتل الجماعية التي تبحث للسيطرة من خلال جميع وسائل القمع الوحشي، فمن خصائص هذا المرض الإلهي_الجماعي هو الاصرار على رؤية واحدة ومن زاوية ضيقة. فإدراكه الصغير عاجز عن رؤية أو سماع ما يقوله الآخرون من أفكار وآراء، فهو شديد الغضب والعنف، يحلل دماء كل من يتجرء على نقضه  أو محاولة التفكير خارج إطار ثقافته ودينه، فأين هو من ذلك الرحيم، الرؤوف الوديع، المحب للجميع؟ أو لا ترون معي ان كيانه قائم على تفريغنا من عقولنا وشل قدرتنا العقلية.

وإذا كنت مخطئة في حكمي عليه لجهلي الشديد بمضمونه، أليس بالأحرى على المتدينين، التمثل بإلههم الغفور وعدم شن هجومهم على كل من يخالفهم الرأي للانتقام والدفاع عن إله من المفروض انه قادر على حماية نفسه، أو ليس عدم اتكالهم عليه، هو التشكيك بمقدرته وعدم الإيمان بعظمته القادرة على تغيير من يريد أو شل كل نفس تجرؤ على التشكيك أو التنكيل به؟

أعتقد أن المؤمنون يعلمون في أعماقهم أنهم غير قادرين على الاتكال على إله هش وضعيف عاجزعن لمس ذبابة صغيرة، فهم في صراع نفسي دائم ما بين العقل والخرافة، ما بين العلم والجهل، لكنهم ولرغبتهم بالانتماء إلى وعاء جماعي، يبدؤوا ببناء ذلك الجدار الرباني فيغرسوه في أعماقهم، كي يشكل لديهم هوة عميقة في لاوعيهم فتحدد مسارهم  المليئ بالتعاسة والحقد والخرافة في آن واحد، هاهم عاجزون عن المصالحة مع الرغبات والنزوات الداخلية ليبتروها ظاهريا ويمارسوها خفية بشكل مرضي، لأنهم غيرقادرين على السيطرة على كل حاجاتهم البيولوجية). وكما عبر فيلهم ريتش عن آلية التدين التي يعتمد عليها الأفراد والجماعات كطرق للاستنتاج الناتجة عن عدم معرفتهم وخبرتهم في الحياة، أما ما ينتج عند انهيار هذه الآلية التي تؤدي إلى فتح مسالك متنوعة لاستكتشاف الحياة، لأن الحياة والحرية شيئاً واحداً ولا نستطيع لمسها إلا بعد محاولات عديدة لمحاولة فهمها بطريقة عقلانية ومنطقية.

دعونا نتساءل عن آلية برمجة أدمغتنا التي يتبناها رجال الدين والسلطة والجماعة، فنجد ان مواقعنا و صحفنا (المبجلة) الناشرة والباحثة في كل شيء عدا الثقافة والفكر لا تنفك في غسل عقول قارئيها إما عن طريق بث السموم الدينية السرطانية، أو نشر تفاهاتها المعهودة. وما يثير السخرية أكثر هو استفسارهم الدائم عن عجز الشعوب العربية بمواكبة التطور والإبداع، وكأن التطور ناتج عن ثقافة الثابت والكمال الإلهي.

لقد أصبحت سياسة الاستبداد الإلهي أو السياسي أو الاجتماعي مرتبطين بشكل موثق، ولا يمكننا المطالبة بأية حرية من غير المطالبة بحرية الفرد إن كانت فكرية أو ثقافية، لهذا يجب علينا أن نتوجه نحو الفردية وتحرير الإنسان من كل القيود التي تكبل عطائه الإبداعي. علينا الاتجاه نحو الأخلاق النابعة من الذات والحد من الأخلاق الاجبارية، لأنها تحد من امكانية السفر في كل الأحياء لنستقي أخلاقنا من كل كائن حي.

علينا اليوم أن ننفض غبار الخوف المتجذر في أعماقنا، من خلال رفض أية سلطة تحاول تقييد الفرد للابقاء عليه عبداً وذليلاً. فلا أخلاق ترتجى من الإنسان الفاقد لإنسانيته والمتقوقع في دائرته الدينية أو العرقية أو الجنسية، وإذا كنا جميعا ملحدون أو مؤمنون نسعى إلى درء الاضطهاد، فعلينا التمرد على كل أنواعه. فلا حرية من غير الاعتماد على التحليل الذاتي واستنتاج الأحكام من خلال الفرد نفسه، علينا أن نؤمن بأنفسنا أولاً ومن ثم الغوص في أعماقنا البشرية لنعثر على الأنا الصغيرة المتقمصة بالإله.

 لا يسعني الآن إلا أن اقول ان شعوبنا العربية ستبقى راضخة للذل والاستبداد مادامت لا تملك إلا الإله، فهي تعزي نفسها على أنها صاحبة الأديان السماوية وأن الإله خصها تحديداً واختارها كي تنام بجانبه نومة أبدية.

المصدر : رهاب الإلحاد

الصفحة : 1 – 2 – 3 – 4 – 5