14/09/2010

بعد فشل (اختراعي) الاعجازي لفض غشاء البكارة، وعجزي عن قيادة جيش من الفتح الغازي للعذرية، ويعود ذلك بالطبع إلى حماة العذارى الساهرين لردع أية حملة تطمع في سرقة الخيرات الذكورية، فكما نعلم أن المس بالأعراض كالمس في الأرزاق.

بعض التعليقات والايميلات التي عبرت عن عجز بعض القراء في تناول النص كاملاً، فجاءت بعض الردود جامدة لا حراك بها، عجزت عن تفكيك رمزية العنوان، ويعود ذلك على ما أعتقد، إلى وجود تشنج عام في التعاطي مع هذه المسائل.

تطرقت في مقالات سابقة إلى موضوع الإدراك، وعجزه عن فهم كل ما يختلف عن “الأنا” الفردية، وذلك من خلال رفض أي اسلوب غير اعتيادي، فالفرد يميل إلى ترجيح كل ما هو متكرر، وذلك من وجهة نظر عصبية و تدعى ترجيح الاحتمال المؤثر، فكما شرحها “زاجونك” “ان اختيار أي تمثيل لصورة عقلية يخضع إلى حكم التفضيل، لهذا نجد أننا في استنساخ لأفكارنا ولمنهجيتنا، مبتعدين عن تقبل كل ما هو خارج عن اطارنا المعرفي والنمطي.

كثيراً ما نسمع عن صيحات تطالب بالتنوع وحق الاختلاف تحت شعار “حرية التعبير” وغيرها من الشعائر الجميلة، لكن ألا يتوجب علينا وقبل مطالبة الآخرين أن نتساءل عن مدى قدرتنا في تجميد “الأنا” المعرفي لسماع أو قراءة ما يختلف عنه؟

 حسب اعتقادي، ان الاختلاف يكمن في استطاعة الفرد، وبشكل مستمر، على نقد أفكاره، وسلوكياته، كي يستطيع الوصول إلى إدراك أكبر، وهذا لا يتم إلا بعد التخلي عن البحث في تضخيم “أناه” من خلال أعين من يحيطه.

دعونا نلقي الضوء على منهجية التفكير والتحليل عند شعوبنا العربية، لنجد أنفسنا سجناء لمنهج واسلوب واحد، إن كنا من الموافقين أو من المعارضين، ويعود ذلك، في اعتقادي، إلى استحالة البعض، سواء كان كاتباً أو فناناً أو مبدعاً الخروج من دائرة رسمها له قارئيه أو معجبيه أو خط لنفسه مساراً فأصبح أسيراً له. لنراه لا يتوارى عن اطلاق الأحكام على كل ما لا يعجبه أو لا يتناسب مع خطه المعرفي.

 لا بل أكثر من ذلك، تتسم العقلية العربية والدينية على حد سواء، مهما اختلفت الأديان والمعتقدات، في تبني منهجاً واسلوباً متشابهاً خال من الابداع، معتمداً على مبدأ التناسخ والنسخ.

صحيح ان الأفكار المعبرة من خلال الكتابة أو الرسم أو أي عمل هادف مرتكزة على مبدأ الالتزام، إلا ان الالتزام لا يقتصر على هدف واحد ومسؤولية واحدة، ولا يحتكر أيضاً بمنهجية معينة. فإذا بحثنا عن الركائز الأساسية لأي عمل موجه، نجده مرتكزعلى تراكم الخبرات الفردية وتراكم الأفكار المتنوعة والمنتمية إلى ثقافات مختلفة، ليأتي بعدها دور الخيال الإبداعي.

قبل الحديث عن تنوع الأفكار وتنوع اسلوب تطبيقها، علينا أن ننظر إلى تفكير هذه المجتمعات من خلال سياق تاريخي، لنجد أن ثقافة جميع الكتل الجماعية الدينية في منطقتنا بالتحديد مؤسسة على فكرة الفرد الواحد، أي أن التغيير فيها لا يتم إلا من خلال أفراد قلائل، لنتساءل مجدداً عن الأسباب التي أدت إلى انتاج ثقافي ثابت. أي بمعنى آخر، هل كان الرسل و الأنبياء وجهاً ظاهريا تحركهم سلطات خفية بهدف الهيمنة؟ أم نستطيع اعتبارهم أفراداً تمردوا على بيئة قاسية؟ في كلا  الحالتين، فهم يشكلون انعكاساً لثقافة ذات طابع واحد لم يتغير إلى الآن.

مازلنا في بحث مستمرعن بطل اسطوري يستطيع أن ينشلنا من مآسينا وبطريقة اعجازية. مازال بعض مناضلينا في حقوق الإنسان والمرأة عاجزين عن تقبل التنوع في الطرح والحل والتحليل.

لا توجد حلول قاطعة، ولا توجد قراءة موحدة، فالتغيير لا يتم فقط  بناءا على رغبة شديدة في التغيير، بل يتم من خلال تكوين مجموعات فردية مختلفة الأراء في تعاطيها مع أجزاء من الواقع مستندة بتحليلها على علوم مختلفة.

لا توجد رؤية واحدة لمفهوم معين ولا علاج واحد مستند على دراسة واحدة، بل مجموعة من العلاجات التجريبية، أما في حالة مجتمعاتنا المستغرقة في غيبوبتها، فعلينا أولاً تحريكها من خلال صدمات قوية لنتمكن من معالجتها  لاحقاً.

لهذا قبل الخوض في أية معركة، علينا أن نعيد اكتشاف أنفسنا لمعرفة الأهداف الدفينة في داخلنا التي دفعتنا إلى تبني اسلوب أو نمط في التفكير دون الآخر.

عندما يصبح العمل الابداعي عبارة عن وسيلة لابراز “الأنا”، تصبح جميع محاولات البحث في ايجاد العلاج عقيمة، وعندما ننطلق من القاعدة الأنوية لفهم الآخر واسقاط مفاهيمنا ورغباتنا عليه، معنى هذا اننا نقضي على أية محاولة جدية مهما بلغت بساطتها والتي يمكنها أن تتفاعل مع المحاولات الأخرى للخروج من هذا النفق الضيق.

أعتقد أن التغيير لا يتم إلا من خلال تغيير النسيج النفسي لكل فرد، لاكتشاف طبيعته المنفردة والمتميزة عن الآخر. عندها يمكننا، مبدئياً، تحديد الأهداف النهائية، والالتزام بها عبر منهجية واسلوب فردي متغير، لهذا أجد ان علينا تحرير أنفسنا من سجن تقييم ذاتنا لنتخلص بعدها من أحكام الأنوات الأخرى علينا، فبحثنا في هذه الحياة لا يختزل باستجدائنا لاعجاب الآخرين، بل هو بحث طويل يبدأ أولاً  بالانسجام والتناغم  بين أفعالنا وتفكيرنا وبين عوامل الطبيعة.

لن أطيل كثيراً، إلا أني أحببت أن أوضح لبعض القراء الذين يمارسون أحياناً بعض اسقاطاتهم الأنوية على كتاباتي، أقول لهم ان هدفي في الكتابة ليس للاسترضاء، ولا لتبجيل أناي، بل هو محاولة لاستخراج جميع صوري العقلية، كي أستطيع التغريد كما أشاء ضمن دائرة أهدافي التي بدات في رسم ملامحها، فما أسعى اليه هو البحث عن خلق نموذج ثقافي جديد لا تحده الأنوات أو الأيدلوجيات ولا الأوطان أوالأديان .

المصدر : حق الاختلاف في منهجية التفكير

الصفحة : 1 – 2 – 3 – 4 – 5