09/09/2010

منذ زمن وأنا أسمع نداءات واستجداءات للمساواة بين الجنسين في المجتمعات الذكورية، مع انني لست من المناضلات في هذا المجال، لأنني اخترت أن أعيش بعيدة، لأستطيع، يوماً ما، الغرق في الحياة بمفهومها الكينوني الشامل. إلا ان كثرة الكلام عن هذا الموضوع حفزني  على تناوله لأفهم قليلاً بعض المعوقات التي تحد من امكانية انتشال المرأة لنفسها من مستنقعها الظلامي، وأعتقد أن هذا الأمر لا يأتي إلا من خلال تغيير جذري في أحلام وسلوكيات الأنثى.

وطد النظام الأبوي مفهوماً ذكورياً يصب في صالحه، فقد جعل نفسه هدفاً نهائياً للحياة عند المرأة وحلماً يراودها منذ صغرها، وبالطبع رسخ الإله والدين هذا الشيئ.

مما لا شك فيه أن المجتمع الأبوي استطاع تحويل المرأة من إنسان إلى عبد آلي يهلل لجلاده، لا بل أكثر من ذلك جعلها عدوة لجسدها، لأعضائها ولبنات جنسها. فنلاحظ أن معظم النساء اللواتي تدافعن للحصول على حقوقهن يحاربن من أفراد جنسهن بشدة.

دعونا في البدء نبحث عن معنى المساواة، لنجدها تعبر عن مساواة في الحقوق والواجبات في المواطنة والوظائف والحقوق المدنية قبل كل شيئ. وهنا تكمن المشكلة، فكما نعلم ان العبد عاجز عن إعطاء ما يفتقده، أي أن المطالبة والشكوى المستمرة لن تجدي نفعاً مع مجتمع ذكوري قائم في حد ذاته على أساس التمييز بين أفراده، فالمسلم يعتبر نفسه حبيب الله، والمسيحي ينظر إلى نفسه كابن للإله… أما إذا نظرنا إلى الأفراد المسيطرين على ميزانية هذه البلدان اقتصادياً، نجد أن الأغنى مادياً يعتبر نفسه السيد الأعلى ويحق له ما لا يحق لغيره، وإذا تجولنا بين دعاة المعرفة نجدهم عاجزين عن استيعاب أية فكرة إن كانت علمية أو فلسفية أو غيرها لا يعرفوها، ليقوموا برفض كل شيئ لا يدركونه، فهم في تعظيم مستمر لأناهم.

وسط هذه “الأنا” المشوهة الجماعية المتنوعة تضيع صرخات المرأة، لتصبح  عاكسة لتشوهات ذكورية، فنراها تحافظ على عذريتها طمعاً بحنين ومديح ذكوري، فتقدمه في لحظة عاطفية لفارس أحلامها وكأنها قدمت طبقاً من ماس. تختزل نفسها في عضو تناسلي ليصبح عضوها التناسلي أساساً جوهرياً لكيانها، لا بل أكثر من ذلك، لا تتباطأ في الهجوم على كل من يحاول مساعدتها، لهذا علينا التوقف قليلاً، لنجد أن الدور السلبي الذي تلعبه المرأة في استعبادها، هو سبب أساسي لاستمرار هذه العبودية.

ينظر المجتمع الذكوري من منظار عاطفي منافق إلى المرأة على انها كائن لا يلائمه العمل والجهد، فهي لا تستطيع تحمل المشقات والأتعاب، ورأفة بها، عليها المكوث داخل المنزل (معززة مكرمة)، أو بالأصح ذليلة خاضعة لقوة فحلها الذكورية العاجزة عن اعطائها جميع اللذات. إذن، نجد أن التميز الذكوري يرتدي ثوباً رقيقاً من خلال التلاعب في المفردات والأخلاق، فالأخلاق ترتكز وخصوصاً في البلدان الدينية على مبدأ ذكوري يصب في مصلحتهم الشخصية.

اتسم تاريخ النضال الأنثوي في الغرب بنضال مستمر من نسائه لنيل حقوقهن تدريجياً من خلال مظاهرات عديدة وأسماء نسائية استطاعت أن تلعب دوراً فعالاً في التغيير. ولاسيما الدخول المكثف للنساء في حقل العمل أثناء الحرب العالمية الأولى، أجبر المجتمع على الاعتراف بهن كقوة اقتصادية، ومن ثم رافقت هذه الحركة احتجاجات نسوية جماعية مع حركة أدبية انثوية… وبالرغم من الاصلاحات والمساواة في القوانين لا يزال التغيير جارياً للحصول على الحقوق في جميع المجالات بشكل كامل.

أعود إلى نساء البلدان الذكورية واللواتي يتوجب عليهن المثابرة في النضال من أجل اكتساب حقوق على مستوى المواطنة والعمل والارث وحق الطلاق والزواج الأحادي…، و المثابرة على تغيير المفاهيم الثقافية والأخلاقية والدينية. أي أنه لا يكفي أن تتمكن المرأة من أن تحول عملها إلى عمل إنتاجي في هذه المجتمعات، بل عليها أن تقوم بعملية استقلالية كاملة عن الرجل وذلك من خلال استقلالية مادية وسكنية، مع التخلي عن فكرة ضرورة وجود الرجل إلى جانبها أي التحرر منه عاطفياً. و هذا لا يتم إلا بعد إبادة جميع الصفات الذكورية أو الأنثوية ك (غريزة الأم، حنان الأنثى، شهامة الرجل…)، فما هي إلا مفاهيم مؤججة للتمييز بين الجنسين.

ولهذا تشعر المرأة في هذه البلدان، وكما أقنعتها هذه الثقافة بضعف فيزيولوجي، وانكسار العضو التناسلي الأنثوي أمام العضو التناسلي الذكري. من هنا أجد انه من الضروري استخدام العضو التناسلي الأنثوي كسلاح أمام الاستبداد الذكوري، فلو قررت النساء اتخاذ اسهل الحلول السلمية من خلال الاضراب عن الارتباط والانجاب، سيتوقف المجتمع عن التكاثر حتى اشعار آخر.

لكن ما هي الحلول التي يمكننا إعادة ثقة المرأة لجسدها، وتكريس مبدأ قوة العضو التناسلي الأنثوي ليكون أداة تحرير وليس رمزا للعبودية؟

أعتقد أن الأمر يقع على عاتق المنظمات النسائية في عملية التوجيه، وبالأخص على النساء العاملات في هذا الحقل أو ذوات المناصب الرفيعة الحكومية، والقضاء على المفاهيم الذكورية المرتكزة على أساس الحكم الأبوي من خلال الاعلام، السينما، الكتب… فعندما تتخلص المرأة من (كابوسها الوردي) وهو السعي وراء العثور على زوج، لتحقيق أحلامها وطموحاتها، وعندما تكف عن اعتباره هدفاً أساسياً في الحياة، عندئذ نستطيع أن نقول إن عملية التغيير قد بدأت. فالحياة لا تتلخص بإرتباط عاطفي أو أسروي، بل هي أعمق من جميع الارتباطات العاطفية والاجتماعية وأقوى من جميع الصيغ المستخدمة للجماعة كالأمان مثلاً، فهي حصيلة خبرات وآلام و سفر في الثقافات… لاستكشاف الذات الحية والتغلغل في صورها العقلية في كل مكان لمحاولة إعادة صياغتها من جديد.

أعتقد أن للحرية ثمن، ولا بد للنساء من دفعه وهو الكف عن الأحلام الوردية والتنازل أيضاً عن بعض المكتسبات السطحية الضئيلة، كما يتوجب عليها التوقف عن تتويج غشائها العذري، فالمرأة لا تحتاج إلى أي معونات كي تحصل على حريتها. فحريتها وحقوقها لا تؤخذ  إلا من خلال ثورة في الفكر تبدأ أولاً على مفهوم الإله المؤجج لثقافة استعباد المرأة، وعلى ملحقاته الدينية، كي تتمكن من اعادة تركيب ثقافة جديدة. ولهذا أجد أن عليها، في البدء، التخلص من الخوف القابع في أعماق نفسها واستخراج قوتها الدفينة، لتتخلص من عبوديتها من خلال التخلص من غشائها، والكف عن توطيد شعور المنافسة بينها وبين بنات جنسها لاسترضاء الذكر. بل عليها أولاً الاتحاد معهن لإعلان اعتصام عام ضد القوانين و الأحكام الاجتماعية التي تكبلها وتقيدها لتحرمها من كيانها، ولما لا تبدأ بإعلان يوم وطني جماعي لفض غشاء العذارى!

المصدر : نحو يوم وطني لفض غشاء البكارة

الصفحة : 1 – 2 – 3 – 4 – 5