10/06/2008

يقف الإنسان العربي مكبلاً تجاه قدره ومجتمعه، فهو يؤمن منذ ولادته إيمانا مطلقا بالقضاء، فيرفض الانصياع للتطورات النفسية التي تداهمه، فيجرد نفسه من تقنيات نفسية تتيح له تلقي المعطيات الخارجية، ليستطيع ادخالها إلى كيانه، فيقبل أن يصبح رقماً حسابياً في الكتلة الجماعية، فلا يلبث أن ينصهر في هذا المجتمع الكامل.

يرفض هذا المجتمع التقدم، ويرفض تمرد بعض الأفراد على الكتلة، فتقف الكتلة كالصخرة لتوقف مسار بعض الأفراد، فيعودون إلى نقطة البداية مع ضياع للكائن المتمرد في داخلهم.

يحاولون مراراً وضع مقاومة أكبر، إلا أنهم لا يلبثوا، بعد عدة محاولات، أن تنهار جميع الغرائز التي تساهم في صنع هذه المقاومات، فتنتج عنها حالات مرضية نفسية، فينعدم التوازن ما بين المد إلى الخارج، والجزر إلى الأعماق والمخيلات.

يصبح الفرد العربي أسير أوهام وأسس خارجية تفرضها الجماعة عليه، فيستسلم لقوانين المجتمع، وبعدها يصبح أسيراً أمام المجتمع وحكامه، مما يؤدي إلى انحصار رغبات الفرد المكبوتة في داخله، فتنشا عنه عدم التوازن.

في علم النفس، وحسب يونغ فإن “الليبيدو هي نواة الرغبات المجتمعة في أعماق الإنسان”، أما من وجهة نظر فرويد فـ”الليبيدو هي نواة الرغبات الجنسية، ومنها يتم أساس التوازن النفسي”، فأي خلل فيها ينعكس انعكاسا مباشراً على الإنسان.

ومثلما الليبدو هي نواة التوازن النفسي في الفرد، مثلما الفرد هو نواة التوازن في المجتمع، فإن أصيب بأي تراجع أو خلل، سنرى انعكاسات مباشرة على مجتمعه.

وبخضوع الفرد، نرى ابتعاد الكتلة الجماعية عن الحلول الواقعية لتطوير المجتمعات، وبابتعادهم نرى هيام هذه المجتمعات بالفانتازيا لمجابهة الرغبات الدفينة في الأعماق، فتختلط الرغبات المكبوتة في الداخل بالضغوطات الخارجية، لينشأ عنها تناقض واضح في شخصية الكائن العربي.

هذه الشخصية التي تتكرر عبر الأفراد من خلال اللاوعي، وكما يقول يونغ “الوعي الفردي هو الأصعب في التحليل لعلم النفس، لأنه يتميز بخصائص فردية، تختلف بين الأفراد، إنما اللاوعي، فهو عامل مشترك بين الأفراد وهو الذي يربط الأفراد لتكوين الشعوب بل أيضا، يربط هؤلاء الشعوب بماضيهم”.

تستمد الكتلة الجماعية، عموماً، تميزها وطاقات إبداعها من أفرادها، فعندما تلاحظ هذه الكتلة تميز بعض الأفراد، تحيط بهم لتعطيهم طاقتها مجددا، فهي تعلم أن هذه الطاقة ستنعكس عليها ايجابيا، فنلاحظ انصهار الأفراد بالكتلة مع المحافظة على خصوصيتهم.

انما ما يحصل مع الفرد العربي وكتلته الجماعية عكس ذلك، فها هي الكتلة تحطم خصوصية أفرادها فلا تقبل أي تميز في أفرادها فتسعى جاهدة أن تعطيهم وجها واحدا، فتصبح الكتلة فرداً، والفرد رقماً سلبياً فيها، وهكذا نرى اختلاف المجتمعات، فالكتلة الجماعية العربية غير قادرة على نفض غبارها وتجديد وجهها، فهي تزرع باستمرار في أفرادها طبيعة واحدة، فتتشكل عبودية الأفراد، فيتجه الفرد لإلهه كمنقذ لحياته عساه يجد حياة أفضل ما بعد النهاية ..

المصدر : أثر سلبية الكتلة على الفرد

الصفحة : 1 – 2 – 3 – 4 – 5