22/02/2010

نتشدق كثيراً بالكلام عن الخرافة والسخرية منها وكأنها أصبحت من ذكريات الماضي، فكثير منا لا يعي وجود الخرافة حوله واستحواذها على ممارساته اليومية وذلك يعود بالطبع إلى ارتداء الخرافة زياً دينياً،  فقد حافظ الدين عليها بل حولها إلى بعض من أعاجيبه الإلهية.

إلا انه علينا ذكر أفضال الخرافة على المجتمعات في مرحلة ماضية، فقد ساهمت إلى حد كبير في تطوير مفاهيم تتعلق بإدارة المجتمع وخاصة بما يتعلق باحترام الملكية الخاصة. فقد أسست لتنظيم الجماعة والأسرة، فكانت المحرك الاساسي والدافع في تقييد الإنسان بقوانين جماعية، مع العلم أن الخرافة قد فتكت بأشخاص كثر. ومن الخرافة ظهرت الأساطير والمحرمات والأديان  فمنها ولد الإله وترعرع على أسسها، لتتأقلم الآلهة وقوانينها مع عادات الشعوب كما حصل في المسيحية، على سبيل المثال، عند اعتناق الرومان لها، فميلاد المسيح هو احتفال وثني بميلاد الشمس، لتقرر الكنسية فيما بعد الاحتفاظ به كميلاد له، ونجد أيضا تشابه طقوس عيد الفصح مع طقوس أدونيس، كما ان هناك الكثير من الاحتفالات المسيحية المستمدة من الوثنية.

سأتطرق إلى صورة العذراء في الدين المسيحي الحاملة لطفلها من دون أي اتصال جسدي مباشر، لنجد مبدأ الحمل من دون ربطه بالرجل عند  قبائل ” البانجادا”، وذلك لجهلهم في ذلك الوقت بعلاقة الرجل بتلقيح البويضة وظنهم أيضاً بتكاثر الحيوانات والنباتات من خلالنا، حيث كان الاعتقاد السائد  ان لحظة حصول الحمل  مترافقة بشعور ينتاب المرأة عند إحساسها بارتعاش في الثدي، فكان عليها أن تستذكر في تلك اللحظة عما أكلته أو رأته  أو فكرت به كنبات أو حيوان كي يتم اعطاء الطفل لاحقاً طوطمه ولهذا يعتقد ان الخرافة البدائية هي أصل الطوطم على حسب ما شرح فريدزر. إذن، نرى ان فكرة الحمل من دون رجل قد تواجدت عند الكثير من القبائل إلا ان المرحلة الروحانية التي تبعتها، اضفت عليها بعداً عجائبياً وهذا ما نراه في اعجوبة العذراء.

لا تحتكر الخرافة ديناً واحداً بل تمتد إلى جميع الأديان، إلا انني تطرقت قليلاً إلى الدين المسيحي وذلك خشيةً من الحساسية المفرطة الموجودة عند المسلمين وخشيةً من اتهامي بالعدوانية ضد اليهود في حال تطرقي إلى الخرافات المتواجدة عندهم، لهذا رأيت انه من الأسلم أن أعطي الأمثلة عن دين لا يملك اليوم أية سلطة سياسية أو قانونية كما ان عدم شعور مؤمنيه بالاضطهاد يسهل عملية النقد لتوضيح مدى تشعب الخرافة في الدين.

نلاحظ أن جميع الأديان استلهمت قوانينها وفروضها من معتقدات قديمة لاستحالة نسف كل ما تؤمن به الجماعة من قبل. فنرى أن كل دين يعكس عقلية وثقافة وأخلاق جماعته المؤسسة على تلك العملية التاريخية المعقدة المازجة لمؤثرات محيطية ومناخية، و كما قال “ويل ديورانت “يدعم الدين الأخلاق بوسيلتين أساسيتين و هما:الأساطير والمحرمات، فالأساطير تخلق العقيدة فيما وراء الطبيعة”.

إذن، في كل قانون ومعتقد جديد، نرى شيئاً من الرواسب القديمة للشعوب  ومن هنا نستطيع استكشاف الماضي البعيد والوصول إلى الحقبات البدائية من خلال العناصر القديمة الموجودة في كل قانون أو معتقد.

أعود إلى الخرافة وإلى القرابين التي قدمت ارضاءا لأرواح ظناً بقدرتها على التحكم بالظواهر الطبيعية، أما في مرحلة لاحقة فقد نسبت مسألة التحكم إلى آلهة قادرة على كل شيئ، حتى اننا نلاحظ انه وليومنا هذا ما زالت الأضاحي تقدم لإرضاء إله نهلل له ونلقبه بالإله الأعظم أو الأكبر.

خشي الانسان البدائي قوى الطبيعة وبعد فشله بالتحكم بها قام بعبادتها لتجنب غضبها، فقدم لها القرابين لتتحول مع مرور الوقت إلى آلهة، فكان لكل مجتمع رؤيته الخاصة بما يخص إلهه. لنرى عند بعض القبائل المكسيكية ذات الديانة (الأزتيك) بقيامها بقتل إلهها الممثل ببعض الأشخاص بطريقة وحشية ليتم سلخ جلودهم وهم أحياء للاحتفاظ بأبديتهم وشبابهم الدائم بعد الموت، أي أن الموت عبارة عن بوابة عبور نحو الخلود.

سعى الإنسان، على مر العصور، إلى تخليد نفسه خوفاً من الفناء، فسطر أبدية ادم و حواء في سفر التكوين وعكس موته عليهما من خلال حرمانهما للأبدية التي وهبها الله لهما، أما عقابهما بالموت فأتى نتيجة للخطيئة الاولى العاصية لإرادة سيدهما وصانعهما عند تجرئهما في اكتساب المعرفة، فالإله الذي رسمناه وخلقناه لايريد إلا عبيداً  كي يمارس ممثليه على الأرض سطوته. من هنا نجد أن الإنسان كان مدركاً في أعماق ذاته لقدرة المعرفة على قتل الإله والأوهام والخرافات المرافقة له. إلا ان إعدامه للإله يرافقه إعداماً لفكرة الأبدية والخلود التي سعى الإنسان البدائي إليها فقد كان رافضاً للموت باحثاً عن أدوات تسمح له بأبدية خالدة، فكان السحر والشعوذة والتابو  للحد من فراق الروح للجسد أو لعودة أخرى للروح في حياة ثانية، إلا ان عجزه في صنع الأبدية جعلته يطرح رغباته إلى الخارج ويوكل الطبيعة هذه المهمة ليخلق قوى خارقة أخذت أشكالاً عديدة مع مرور الزمن ليعكس بعدها غرائزه الغير مباحة له من قبل الجماعة إلى جنات وآهات في أرض الله الخصبة بالممنوعات والمحرمات (كأنهار الخمر والعسل واللبن والحوريات).

إلا انه ما يثير الدهشة هو انجراف عدد هائل من البشر وراء الخرافة المتمثلة في الدين من دون تفكير أو تحليل، فمن الطبيعي فهم واستيعاب عبودية الإنسان البدائي لأمواته، وأرواحه ولأعراف جماعته لعدم امتلاكه الوعي الكافي الناتج عن العلم. فكان من السهل حكم الأفراد المتميزين لأفراد جماعتهم وذلك لعدم امتلاك الفرد البسيط أية كفاءة  لتعلم سلوكيات متجددة، إلا ان ما يصعب فهمه هو حالة الكثير من المجتمعات المنقادة بشكل أعمى وراء الخرافات الدينية ووراء قادتها العاجزين عن اعطاء أي شيئ مميز لها. فهل افترينا على أنفسنا عند توحيدنا للآلهة ومزجهم بإله واحد، لتصبح طريقة تفكيرنا أحادية، لنعلن عن تشبثنا بإله واحد وفكر موحد وقائد أوحد؟

المصدر : الدين وجه آخر للخرافة

الصفحة : 1 – 2 – 3 – 4 – 5