12/07/2010

 بعد أن انهال علي وابل من الشتائم المتنوعة ذات الإيحاءات الجنسية المرسلة على عنوان بريدي الالكتروني، وهذا بالطبع بعد حلقة نقاش “فرنسا:البرقع بين التحريم و التحليل” على فضائية فرنس 24، قررت ان اخصص مقالاً تحليلياً لظاهرة الشتائم و التعنيف عند المتدينين، وعجزهم عن استخدام لغة أكثر رقياً لنتسائل عن الأسباب التي تؤطرهم داخل اناء ضيق مغلق.

دعونا نقوم في البدء بتحليل العنف اللفظي المفعم بمفردات جنسية، لنجد أن هذه الشتائم تعبر عن حالة كبت داخلي  لكل الرغبات الجنسية المقموعة والباحثة عن تفريغ شحناتها، فالمتدين يقوم دائماً بعملية تصعيد غير واعية ليتمكن من قمعها ودفنها في الأعماق، وذلك ناتج عن الثقافة الخارجية المتراكمة. فنرى أن كلمة سعادة أو فرح عبارة عن كلمات مكملة لكلمة لذة، إلا اننا نجد في بعض مجتمعات اليوم حالة ازدراء لكلمة لذة، واصرارهم على التركيز على كلمتي السعادة والفرح و السعي إلى ربطهما بفكر غيبي، كي تتمكن الثقافة من التغلغل في المعطيات المختزنة في الذاكرة الكامنة التي تشكل جزءا من الذاكرة الطويلة و المؤثرة بشكل لاواع على سلوكياتنا وعاداتنا.

 فإذا أردنا الغوص  في الحالة النفسية المختبئة خلف هذه الكلمات، نجد  ان السعادة تعكس اكتفاء المفاهيم المكتسبة من المحيط الخارجي، وإذا اضفنا عليها بعضاً من الخيال المرافق لحالة الاكتفاء الأولى تجتاحنا حالة الفرح أو البهجة، أما اللذة فهي حالة اكتمال للحالتين السابقتين مع ضرورة تفريغ الشحنات الناتجة عن الحالتين الأوليتين عن طريق الجنس، فكما نعلم ان هذه الشحنات النفسية متواجدة في الأعضاء التناسلية.

نعود إلى الشتائم المرتكزة على صور جنسية لنراها تعبر عن حالة الخيال والفانتازيا التي يعيشها المتدين والعاجز، في نفس الوقت، عن الافصاح عنها نتيجة الضغوطات النفسية المتراكمة والمختلطة فيما بينها، فنراه يكيل الشتائم المعبرة عن وضعيات جنسية، فأحياناً تكون وضعيات لممارسة بشكل جماعي، وأحياناً آخرى يقوم المتدين بشكل لاواعي باستخراج رغبات بدائية، دفينة في الأعماق (كوصف حالة الجماع مع الأم والتي يعكسها على الآخر المختلف عنه)، فنجد المتدين في حالة استمناء لخيالات وربما لذكريات بعيدة مسجلة في خصائصنا الجينية.

نجد بالطبع هذه الحالات المضطربة عند كثر من أفراد المجتمعات المقموعة والمبنية على جوهر استعباد الفرد، فالإنسان الواعي  لخصائصه البيولوجية ومحيطه الخارجي، يقوم وبشكل واع بوضع أسس و معايير وأخلاق تحترم كل إنسان، بل أكثر من هذا، نراه في سعي دائم لإيجاد مفاهيم وأخلاق مبنية على احترام جميع الكائنات الحية من دون استثناء.

أجد ان المشكلة عند الافراد المبرمجين بطريقة آلية، وغير الواعين لكل هذه الخصائص الحالات، عاجزين عن الانسجام مع انفسهم، مع جميع دوافعهم الغريزية،   ومع الآخر والمختلف، وذلك نتيجة الثقافة المتداولة الكابحة للرغبات الجنسية والقائمة على تحويل الجنس إلى عمل آلي روتيني ذو هدف تناسلي.

هذه الهوة ما بين الغرائز والحاجات البيولوجية وبين الثقافة المحيطة، تشكل نوعاً من الفصام، لينشأ عنه اضطراب نفسي وقلق دفين.

توصل “هنري لابوريت”، اختصاصي علم الأعصاب البيولوجي، إلى ان العامل الأساسي الأول الذي ساعد في اضفاء قواعد الهيمنة لتأخذ طابعاَ مؤسساتياً مرتبطاً بالجماعة لا الفرد، ليتم تصعيد حالة الاكتفاء الجنسي واستبداله باكتفاء الهيمنة هو عامل اللغة. لهذا نجد ان الأفراد في المجتمعات المبنية على أسس تابوهات عدة، يقومون بالاستغناء عن جزء كبير من الاكتفاءات الجنسية لصالح الهيمنة الفردية المرتبطة بهمينة الجماعة، فنجد أيضاَ ان هؤلاء الأفراد يدافعون وبشدة عن معاييرهم القمعية، وغير المنسجمة مع الاكتفاءات الغريزية، والتي تصب في خانة هيمنة “الأنا”، لهذا نستطيع القول إن “الأنا” يخدم المصلحة الجماعية ويسخر الفرد لخدمتها مع اعطائه بعض الاكتفاءات الجزئية البسيطة.

نعود إلى الاكتفاءات البيولوجية المقموعة (الجنس)، وعلاقتها بالقلق والعدوانية.

 يسعى النشاط الحسي لدى الفرد إلى اكتفاء بنيته (وهذا ما يلقب بالتوازن البيولوجي)، أي أنه يبحث عن السعادة، الفرح واللذة في آن واحد. ففي حال اصطدام هذه الدوافع البيولوجية مع القوانين الخارجية المبنية على أساس “مبدأ الهيمنة”، يبدأ القلق الناتج عن إدراك استحالة تحقيق اللذة المنشودة لاكتفاء الغرائز في الظهور، ليلجأ بعدها الفرد إلى الهروب من هذا القلق من خلال عدوانية تجاه أي محرض يمكنه مس الغرائز المكبوتة، أي أن العدوانية والتعنيف عبارة عن محاولة لتخفيف القلق النفسي الناتج عن صراعات النشاطات العصبية المتمركزة في مستويات مختلفة في نظامنا البيولوجي، والتي يصعب على الفرد المقموع إشباعها.

هنا نستطيع القول إن غالبية المتدينين يلجؤون وبشكل لاإرادي بتبني سلوك عدواني وتعنيفي مرتكز على عبارات جنسية (وهذه في أبسط حالات التعنيف المتواجد لديهم)، فمن خلال هذه العبارات الجنسية يستطيعون تفريغ بعض الشحنات والخيالات المكبوتة، أي اننا أمام حالات عصابية.

لا ننسى أيضاً أن الصراع ما بين المكتسب وبين الدوافع الغرائزية مسجل في ذاكرتنا اللاوعية، فعملية التصعيد تزيد من انفصال وعينا عن اللاوعي، وهذا بالطبع  يسبب في ايجاد هوة ما بين الذاكرة الكامنة وبين الذاكرة المعبرة.

 لهذا أجد انه من الأفضل لنا الرجوع وبشكل واع إلى مبدأ اللذة ليتم التصالح بينه وبين المبادئ المكتسبة الخارجية، لوضع معايير لأخلاق جديدة تهدف إلى ارضاء غرائزنا وتصب أيضاً في مصلحة الوعاء الجماعي .

المصدر : الدين وعلاقته بالتعنيف اللفظي

الصفحة : 1 – 2 – 3 – 4 – 5