30/07/2010

تكملة للمقال السابق، ولشعوري  بعدم إعطائه القدر الكافي من التوضيح، أحببت أن أبدأ هذا المقال بجملة “العراك من أجل البقاء” والتي استخدمت بطرق مختلفة لتأخذ منحى عنيفاً ولتؤجج شعور العدوانية تجاه الآخر تحت حجة الاستمرارية، ولتصبح أساساً في تعامل الجماعات والأفراد مع الآخر. وهنا علينا التساؤل عن توافق مبدأ العراك من أجل البقاء مع مبدأ الهيمنة؟َ

لنبدأ أولاً بالنظر إلى نظامنا البيولوجي من أجل تحديد أهدافه الأساسية، سنجد أن بقاء النظام واستمراره مرتكز على تلبية حاجاته البيولوجية من طعام وشراب وجنس.

لا شك أن الأساسيات بمفهومها الأولي تُختزل في عملية إشباعها، إلا أنها في مرحلة لاحقة، تبدأ بعملية انتقاء أوسع لتستطيع الوصول إلى مشاعر فائقة من التلذذ، إلا ان هذه العملية تحتاج، بلا شك، إلى عملية واعية من قبل أفرادها.

لهذا يمكننا القول إن العراك من أجل البقاء هو تلبية لحاجاتنا الأساسية للوصول إلى أكبر درجات اللذة والمتعة، إلا أن مبدأ الهيمنة استطاع أن يحول اللذة إلى معركة مستمرة ما بين الجماعات والأفراد. بل أكثر من ذلك، استطاع أن يؤجج صراعاً داخلياً ما بين ذات الفرد وبين القيم المتداولة الخارجية، ليضيع الفرد في متاهات الأخلاق و الديانات، فيمارس أبشع التعذيب في حق غرائزه أولاً، ومن ثم، في حق الآخرين. ومع عملية القمع الممارسة تجاه الدوافع الجنسية، يقوم بقمع اللذة نفسها. فكما يقول فيلهلم ريتش “الدافع الجنسي ليس شيئاً يبحث عن اللذة، بل هو محرك اللذة نفسها”.

وجد “فيرينكزي” إن تراجع اكتفاء بعض الرغبات الجنسية يتم تحت كم من الضغوطات الممارسة على الأفراد من قبل ثقافة المحيط لتدفعهم إلى نبذ اللذة ولتصب في مفهوم الاستبقاء (أي الحفاظ على الطاقة الجنسية) مما ينعكس وبشكل مباشر على السيلان، علينا أن لا ننسى وعلى حد تعبير “فيلهلم ريتش” ان  وقمة النشوة تتلخص في القدرة على تدفق الطاقة البيولوجية المختزنة من دون أي رادع أو مانع أخلاقي. فذروة النشوة تكمن في تفريغ جميع المحتويات بشكل كامل، والمتواجدة في التهيجات الجنسية، لهذا يرى “ريتش” وان الانسجام المتبادل مع الشريك يساعد الاثنين في الحصول على النشوة المبتغاة من كليهما، شرط توافق “الأنا” غير المتصارعة وغير الساعية إلى اكتفاء واقعها مع الدوافع نفسها، فعملية القذف عند الرجل أو الحصول على نشوة جزئية عند المرأة غير المنسجمين مع الدوافع والنشاط العضوي الجنسي، وذلك لقيامهم بعملية تصعيد مستمرة، لا تعني أبداً تفريغ الكمية المتواجدة بشكل كامل، أي عدم الحصول على النشوة الكاملة التي تساهم في سلامة نفسية وفيزيولوجية أيضاً.

دعونا نعود إلى تأثير الأديان على الطاقة الجنسية من خلال تنطيم هذه الطاقة بشكل جماعي لاواع عند أفردها، حيث تمنع الأفراد من النضج النفسي، ومن اكتساب الخبرات بشكل واع لتمكينهم في الحصول على النشوة كاملة، لقيامهم لاحقاً بتنطيمها بشكل فردي واع.

 هذه الثقافات المبنية على نموذج الإله المتحكم بعبيده، لا يمكنها إلا أن ترتدي نفس رداء إلهها، لتعكس إلهاً فاقداً للنشوة واللذة.

 أعود إلى نتائج هذا القمع على الأفراد، فهو يعيدهم إلى الخيالات والفانتازية الهاربة من لذاتها، فعلى حسب بعض مدارس علم النفس، تؤثر عملية القمع في انتكاس الأفراد إلى المرحلة الطفولية، ومع هذا الانتكاس، يعيش الفرد جميع حالات الطفولة بما فيها من خيالات، أوهام وعقد.

وهنا نستطيع تفسير حالة مفهوم الجنس عند الرجال ذوي الثقافة الذكورية، حيث نراه على وجه الخصوص في ثقافة جميع المجتمعات القائمة في قوانينها وأسسها على الدين، وبالتحديد، نجد ان الجنس لدى معظمهم لا يعني إلا عملية غزو أو تغلغل في الأنثى، أي أن هذا المفهوم في حد ذاته مرتكز و بشكل أساسي، على مفهوم الاغتصاب اللاواعي، وهذا بالطبع يفسر، حسب تحليل علم النفس، بالحاجة إلى اثبات ذكورية ناقصة عند هؤلاء، وذلك بسبب تراجع الحالة النفسية لديهم إلى المرحلة الطفولية، ليتم انعاش عقدة فقدان العضو والاحساس القديم بذكورية ناقصة أمام الأب.

 هذه الحالات القامعة لرغبات الطاقة الجنسية تسلك ممراً خاطئاً للتفريغ، وذلك بسبب القمع الممارس عليها، ما يؤدي إلى تراجع الفرد إلى المراحل السابقة ليتبنى أفكاره الطفولية كأفكار أساسية، وليغرق في خيالات واسعة.

نعود إلى مبدأ الهيمنة والذي لا يتناسب، حسب ما رأينا، مع العراك من أجل البقاء، لأن بقاء النظام البيولوجي يكمن في تلبية حاجياته، إلا أن الهيمنة وجدت لاستبدال اللذة الفردية وتحويلها إلى طاقة نافعة للجماعة على حساب الفرد.

وضح “ديلجادو” ارتباط العنف مع حالة الألم الممارسة بالتحديد على الفرد المستعبد من خلال آلية المكافأة والترفيع في المناصب. وهنا نجد أن الأديان ترتكز على نفس المبدأ من خلال اعطاء جنة تداعب خيالات الأفراد لتهبهم ما حرمتهم اياه على الأرض، هذه اللذة غير الملموسة والواهية، تقوم بتحويل اللذة عن عبور طريقها السليم والمتناسب مع عملية التفريغ للوصول إلى النشوة، لتقوم باستبدالها بلذة غير ملموسة، مما يسبب اضطرابات بيولوجية للنظام العضوي.

أخيراً، لا أستطيع إلا القول إن “مبدأ الإله” المتحكم بالغرائز لا يتناسب مع سعينا للحصول على وعي أكبر نستطيع من خلاله ممارسة الجنس بقدر كاف من خلال رغبة متبادلة للوصول إلى نشوة مكثفة تصب في سلامة نظامنا البيولوجي، وذلك لا يتم إلا من خلال تطابق قناعاتنا مع دوافعنا، فالمتدين المرتكز على أسس القمع، لا يستطيع الوصول إلى النشوة، وذلك لشعوره الدائم واللاواعي بارتكاب الإثم الأعظم المحرم من إلهه.

 ليس الهدف هو ممارسة الجنس، بل الهدف هو تطابق أفكارنا مع غرائزنا، لنستطيع دفع عملية التفكير والخروج من متاهات التصعيد، ربما نستطيع يوماً ما، الوصول إلى أعمق درجات الانسجام مع الطبيعة، لنتمكن من لمس كل ما يحيط بنا فنبحر مع موجاته، ولننتصر، يوماً ما، على كل مخاوفنا المترسبة لنرحل بعدها إلى اللامكان واللازمان، إلى اللاشيئ، حيث الحرية الكاملة لجزيئاتنا .

المصدر : ذروة النشوة وانسجام الذات

الصفحة : 1 – 2 – 3 – 4 – 5