03/09/2010

 نلاحظ، مع مرور الزمن، تفاقم الحالة الهستيرية للدين في المجتمعات العربية (مع اختلاف النسبة فيما بينهم، ويعود ذلك بالطبع إلى اختلاف الهيكلة الاجتماعية والموروث التاريخي). هذه الهستيريا التي تطال الجماعة والفرد تقوم بحصرهما ضمن إطار سلطوي للدين، لتجعلهما دمى في أيدي رجال الدين. من هنا أجد ان لنا الحق في التساؤل عن السلامة العقلية لهؤلاء وعن امكانياتهم في تولي القيادة المعنوية والارشادية للأفراد والجماعات، خصوصاً بعد تزايد القنوات الدينية الممولة من هيئات رسمية أو حائزة على دعم حكومي مستتر.

دعونا نقوم بتحليل نفسي لقادة الفكر ذوي التأثير الفعال والمباشر على الأفراد في هذه المجتمعات والمحتكرة (للأسف) على رجال الدين في نطاقها الواسع. فمع الفتاوى الكثيرة التي تخص الجنس بالتحديد، وذلك تنفيذاً للرغبة الإلهية وطمعاً في جنة قائمة في حد ذاتها على مبدأ الشبق الجنسي. من هنا يحق لنا أن نستفسر عن هذا الهوس الجنسي ذو الازدواجية المتناقضة والتي تعكس نوعاً ما حالة عصابية لأفراد المجتمعات الدينية، فنجدهم في حالة تشبث لأخلاقيات جامدة، مع تفاقم الهوس “البورنوغرافي” لديهم، والمترافق مع انحفاض الإنتاج العملي للأفراد، وانعدام الرضا لديهم.

الكثير من سيرجع هذا الأمر إلى المشاكل الاقتصادية وإلى الحكومات القمعية المستهلكة لجهود أفرادها. لكن علينا أن نسلط الضوء على أساس الفكر القمعي، فالحكومات القمعية تستهل قوتها من الأديان، والتي تعكس بشكل قوي رضوخ الطفل لأب متسلط، فالفكر القمعي له ثلاثة أبعاد: الأب السيد وفروعه (الأخوة الذكور المنفذون لسلطة الأب)؛ الإله الأعظم الممثل على الأرض من خلال الأديان مع تفويض خاص منه لوكلائه من رجال الدين؛ و من ثم الحكومات المستبدة المفوضة من قائدها الزعيم.

سأخوض الآن من خلال الاعتماد على التحاليل النفسية لظاهرة رجال الدين ولاستكشاف سر هذا الهوس الجنسي لديهم.

أكدت لنا دراسات اكلينيكية تأثير كبح الغرائز البيولوجية على التحكم بالأفراد من خلال تحويل الطاقة الجنسية الى طاقة جهد تصب في المصلحة الجماعية، متجاهلة بذلك حاجة الفرد في محاولة لتعويضه من خلال شعور الانتماء التي تضخه سوية مع شعور الأمان المرافق له، كي تتمكن من قيادته ضمن دائرة تصب في مصلحتها. إلا أن الفكر القمعي عاجز عن إعطاء الأمان لأفراده، لهذا نجد ان الدين يحرص على إعطاء كل شيئ مفقود من خلال جنة خيالية.

نجد أن مفهوم العائلة المتسلطة تحت قيادة الأب تشجع كبح النفس والحذر من الآخر المختلف، ليتوافق هذا الكبح مع مفهوم الدين في قمع الجنس وتنظيمه ضمن قوانين جامدة. وبذلك يتحول مفهوم السعادة الأولية والتي لا يمكن الحصول عليها إلا من خلال إشباع الحاجات البيولوجية والتي تساعد الفرد على النضوج ليحول العملية الجنسية إلى اختيار متبادل للحصول على أعلى درجات اللذة.

من خلال التجارب السريرية ل”فيلهام ريتش”، استطاع تفسير حالة (السادو_مازوشية) والاغتصاب وحالات كثيرة من العصاب، الناتجة عن ثقافة القمع والتحريم الجنسي للأفراد، ليعتبرها رغبات متحولة عن الرغبات الطبيعية مستمدة من قوانين اخلاقية راضخة لذهنية التحريمات.

نجد أن السعادة والاكتفاء تدفعا الفرد نحو إبداع عملي، وذلك لا يتحقق إلا بعد تحقيق اللذة الخاضعة لقوانين الطبيعة. و بما أن الأخلاقيات القائمة على مبدأ القمع لا تتناسب مع مبدأ اللذة، فعلى الأفراد التمرد (في البدء) على التشويه النفسي والجنسي (الختان الممارس على الأنثى و الذكر) من خلال الأهل، ليتمردوا بعدها على أخلاقيات رجال الدين، فينتهي الأمر الى تمرد عام يشمل البناء  السياسي من أجل بناء هيكلة اجتماعية جديدة.

  سأتناول بالتحديد رجال الدين، لنتساءل عن تشابه معظم سلوكياتهم وأفكارهم الناتجة عن حالات عصابية، فنجدهم في قمة السادية السلوكية على نسائهم، وفي قمة المازوشية لحكوماتهم الراضية عنهم ما دامت مصالحهما متوافقة وهدفهما واحد، و هو رضوخ الأفراد بشكل كامل لهما إما عن طريق القمع والتعنيف الجسدي الممارس (الاسلوب المتبع للحكومات القمعية)، أو عن طريق التعنيف النفسي (من خلال الدين). فقد وقعا على عقد زواج منفعي بينهما، مع استمرارية حقد كلاهما على الآخر وانتظار الفرصة الملائمة لانقضاض أي منهما على الآخر حين حدوث أي تعارض بينهما. وإذا تمعنا قليلاً بينبوعهما النفسي (للحكومات و لرجال الدين)، نجد أن الطفولة القامعة والرافضة للاكتفاء الجنسي تحفزان على ظهور بعض من الجينات السلوكية الموروثة. فكما نعلم ان جزءا من السلوك يخضع إلى قاعدة بيولوجية، إلا ان البيئة تلعب دوراً مهماً في انتقاء السلوكيات، وحسب تعبير اختصاصي الأعصاب جيرالد ادلمان “البيئة متغيرة وليست ثابتة، فنراها في انتقاء دائم للسلوكيات المتأقلمة معها”.

أي أن المفهوم القمعي يجتذب الأفراد المؤهلين جينياً، ليقوم بتأجيج السلوكيات السادية وتفعيلها من خلال ثقافة عامة، فنجد العلاقة المترابطة ما بين “السوما” أي الجسد والنفس، ولهذا نجد الكثير من العلاجات قائمة على علاج الجسد و العقل معاً، و من بينهما علاج “البيوديناميك”  التي أسسته اختصاصية النفس ” جيردا بويسون”، المعترف بها من قبل الجمعية الأوروبية للعلاج النفسي.

  نعود إلى الرغبة في العنف والهدم، فنجدها عند “ريتش” وعند بعض اختصاصيي علم النفس والسيكسولوجيا، ناشئة عن رفض لغريزة الجنس ذات الطبيعة المسالمة.

إذن، العنف هو في الأصل وسيلة لتحقيق الرغبات الأساسية في حال عدم الحصول عليها بطريقة سلمية، لتتحول هذه اللذة المسالمة إلى لذة سادية والتي هي خليط من دوافع جنسية أولية ودوافع هادمة ثانوية، فهي حالة بيولوجية متحولة تحت تأثير ثقافة البيئة، كما ان للسادية جانب آخر دفاعي ناتج عن قلق عميق يؤدي إلى تأجيجها على الصعيد السلوكي أو الجنسي. وبهكذا يستطيع رجال الدين الشعور باللذة المتحولة عند ممارستهم لانتهاكات عدة على الأفراد، وبالأخص النساء، وذلك حسب التحليل النفسي، أن القلق الكامن من عقدة الخصي عند الذكور يؤجج السادية لديهم ضد نسائهم.

نعود إلى مفهوم المجتمعات الأبوية، لنجد أيضاً أن عقدة أوديب هي ناتج اجتماعي و ليس بيولوجي، كما أكد لنا “مالينوفسكي” بعد دراسته لقبائل جزر “تروبيريان” ذات النظام الأمومي، ليجد أن أفرادها يتمتعون بحرية جنسية طبيعية، فهم أفراد منظمون، اجتماعيون، قادرون على العمل من دون شكوى، وفي نفس الوقت معتمدون على الزواج الأحادي.

أي أن عقدة أوديب ناتجة عن مفهوم سلطوي للأب، ولهذا نستطيع القول إن العلاقة ما بين سلطة الأب ورجال الدين والسياسة في المجتمعات القمعية هي علاقة مترابطة فيما بينهم، فسلطة الأب الذكوري مترافقة مع ازدياد سلطة رجال الدين واستبدادية الحكومات.

وبما أن الدين يجتذب هؤلاء الأفراد ذوي الأمراض العصابية، والأجدر بهم المكوث في بعض المصحات النفسية لعلاج طاقتهم البيو-كهربائية كي يستطيعون الوصول إلى النشوة الطبيعية والكف عن ساديتهم المطروحة خارجاً. وبانتظار وضعهم في مصحات نفسية لا نستطيع إلا ان نلوم مبادئ هذا الدين المستطقب لهذه الحالات العصابية .

المصدر : العصاب لدى رجال الدين

الصفحة : 1 – 2 – 3 – 4 – 5