28/11/2010

“من أجل التحرك والقضاء على كل ما يعيق مسار التقدم ويشل الذكاء العصري، علينا أن نساهم جميعاً في توضيح جذور المعوقات المتبقية لدينا من فترات تاريخية قديمة تعود بنا إلى حقبات ما قبل التاريخ . توضيحنا لهذه الأعراف ليس رغبة في احترامها، بل هي الوسيلة الضرورية لتوضيح منشأها الوحشي وتشعبها في عقول أفراد وكتل مازالوا يؤمنون بها .

هكذا عبر عالم الآثار واختصاصي في مجال التاريخ سالومون رينا عن ضرورة تفكيك المتبقيات العالقة في ثقافات متعددة، لهذا اقتطعت هذه الفقرة الصغيرة من كتابه واخترتها أن تكون مقدمة لمقال كي نغوص من خلاله في أصول الآلهة.

بعد الاطلاع على البحوث الأنتربولوجية والأسطورية… نستطيع أن نكتشف الجذور الأصلية للأديان والتي سبقت منشأ الآلهة لتمهد لها أرضية خصبة للظهور، حيث تغذت من خيالاتنا الطفولية من أجل أن تترعرع لتصبح الآمر الناهي لعقولنا.

سأتطرق إلى مفهوم الإله البدائي المشتق من فكرة الطوطم، وكما يميل الكثير من الأنتربولوجيين إلى اعتبار النظام الطوطمي نظاماً عالمياً، إذ لم يكن حكراً على سكان البلدان الأصلية في أمريكا أو استراليا… بل امتد إلى بقاع الأرض المستوطنة من قبل مجموعات بشرية.

دعونا، في البدء، نقوم في إلقاء نظرة سريعة على النظام الطوطمي، لنجده نظام قبلي قائم على مجموعة من التابوهات والملخصة في عبادة معينة من قبل جماعة ما لحيوان في معظم الأحيان، أو نبات في حالات نادرة، أو عبادة مادة غير حية في حالات استثنائية، على حسب الكثير من الاختصاصيين كايميل دركهيم وجيمس فريدزر و سالومون رينا…

يقوم أساس الطوطم على وجود عقد أو عهد غير واضح التعريف ذو طبيعة عقائدية بين جماعة ما وبين بعض الحيوانات المنتمية لهذه الجماعة، من هنا لاحظ رينا أن النظام الطوطمي تواجد في مرحلة الإنسان البدائي السابق للإنسان الراعي للحيوانات.

واعتماداً على البحوث التي تناولت هذا النظام، نستطيع لمس آثاره عند الكثير من الحضارات الاغريقية والمصرية والسورية*…ففي النظام الطوطمي يعتبر حيوان القبيلة تابو، فلا يمكن ذبحه إلا في يوم جماعي في السنة حيث تقام له مراسم خاصة مصحوبة بالبكاء والنحيب.

بعد مراجعة ما قدمه سبينسر وجيلين من دراسات كثيرة حول هذا النظام وما رافقه من تنظيم للزواج خارج العشيرة والمسمى ب “ايكزوغامي” الذي ساهم في تحريم العلاقات الجنسية بين أفراد العائلة الواحدة بطريقة تدريجية. وجد رينا أن فكرة تجسيد الإله، في حقبة متقدمة، بفرد ما لتقديمه قرباناً للسماء في بعض الحضارات، لإعادة عملية البعث والإحياء من جديد قادمة من تقديس القبيلة لحيوان والتضحية به. فإذا راجعنا ما كتبه فريدزر عن عادات بعض القبائل الوحشية والمستمرة إلى وقتنا هذا من خلال الطقوس مع اختفاء المشاعر الأولى التي رافقتها والمبنية على اعتقادات خرافية كالاعتقاد بميزات الحيوان الطوطمي و أكله. فمن نظرة أنتربوبوجية، قامت هذه الطقوس على أساس الاعتقاد بأن لحم الحيوان الطوطمي الحامي للقبيلة يمنح آكلها قوة وخصائص مميزة، وهذا ما نراه حتى وقتنا الراهن عند بعض الشعوب كالصينيين الذين يأكلون، على سبيل المثال، العضو الجنسي الذكري لبعض الحيوانات من أجل اكتساب قوة جنسية.

ربما علينا أيضاً تذكير القراء إلى أن ما تمثله الأعضاء التناسلية في قبيلة “ماوريس” و تمثيلهم للعضو الجنسي الذكري على نه الحياة بينما يمثل العضو الجنسي الأنثوي الموت، وعلى غراره عند الصينيين الذين يعتقدون باكتساب عناصر حياتية كالطاقة والحيوية عند التهامهم الأعضاء الجنسية الذكورية، وهنا لابد لنا أن نشير إلى تلك العلاقة الجدلية ما بين المحركات والدوافع النفسية الداخلية وبين التجارب الخارجية التي أدت بمجموعها إلى تكوين هذه المعتقدات.

لا بأس أن ننوه أن جهل الإنسان الأول لأسباب التناسل والانجاب أدى إلى تخصيب فكرة تناسخ الحيوانات والكائنات من خلاله، فالنظرية الأولى لتفسير نشأة الطوطم استندت إلى مبدأ تبادل الأرواح بين الإنسان وطوطمه، فالحيوان الطوطمي هو فرد من أفراد العشيرة المنتمي إليها والمقدس في آن واحد.

لننتقل إلى عملية القتل الجماعي للحيوان الطوطمي، في ذلك العهد، فلم يكن انعكاساً لعملية تقديم القربان للآلهة حيث ان الآلهة لم تكن قد وجدت بعد.

إذن، مفهوم القربان للآلهة تطور تدريجياً مع انتقال الإنسان من المرحلة الوحشية إلى مرحلة رعي الحيوانات حيث بدأت تفقد الحيوانات شيئاً فشيئاً قدسيتها، لا بل أكثر من ذلك بدأ شعور القرف يتنامى عند الإنسان تجاه بعض الحيوانات.

بعد مراجعة روبيتسون سميث وسالومون رينا عن قدسية الحيوانات عند الشعوب اليونانية والرومانية والسورية والمصرية حيث وجد، على سبيل المثال، أن الخنزير البري كان يعتبر حيواناً مقدساً في سوريا، وربما من هنا نستطيع استيعاب منشأ تحريم أكل الخنزير عند اليهود والمسلمين والذي يعود جذوره إلى الشعوب الأولى في هذه المنطقة، فقد تم استبدال المشاعر المرتبطة بتقديس الحيوان شيئاً فشيئاً بمشاعر مضادة مع استمرارية معتقد تحريم أكل لحوم بعضها، فعلينا أن لا ننسى أن مشاعر الكراهية والقرف تأتي أحياناً كضرورة حاسمة لإلغاء المشاعر الأولى.

لم أنته من اعطاء الأمثلة على تغلغل النظام الطوطمي في جذورنا الثقافية، فالتتمة في الجزء الثاني … يتبع

*

الحديث عن سوريا والشعوب السورية ليس لها علاقة بالجغرافيا السياسية الراهنة وليست بكلمة مستحدثة، بينما ورد ذكرها في عديد من الدراسات الانتربولوجية، فلها مدلول حضاري واسع لهذا نجدها معتمدة عند جميع المؤرخين والأنتربولوجيين .

المصدر : وفي البدء كان الحيوان الطوطمي _ الجزء الأول

الصفحة : 1 – 2 – 3 – 4 – 5