27/01/2011

بعد بدء مفعول العلاج التونسي ضد فيروسه الحاكم، بقي عليه أن يسارع في ايجاد لقاحات عدة للتغلب على نواة الفيروسات المتقمصة بالفكر الديني، عله يجد طريقاً وممراً جديداً إلى الحياة.

لا شك أن المجتمع التونسي لديه مناعات كافية لعدم الإنجرار في فخ الهلوسة الدينية، وذلك لأسباب عديدة، منها نشأته على نظام أقرب إلى العلمانية (مقارنة بعلمانية الغرب) منذ خمسين عاماً. ولا ننسى أيضاً أن نيل نسائه من حقوق مدنية لا تتمتع بها أي نساء البلدان العربية الأخرى منذ فترة طويلة تساهم في تشديد المناعة ضد الفقاعة الدينية، كما أن موقع تونس الجغرافي القريب من أوربا مع نسبة كبيرة من تواجد مهاجريه في هذه القارة والتبادل الثقافي القائم بينهما وذلك لأسباب عديدة. مع وجود الكثير من المصالح المشتركة بين تونس و فرنسا، جعلت من تونس مسلكاً صعباً لمرور الفكر الديني الأصولي ليكونوا أقل عرضة من غيرهم للانجراف نحو نظام ديني قائم على شريعة غزو الأفراد واستعبادهم.

لم تنته تونس من معركتها الحياتية، إلا أنها استطاعت توريد انتصارها على حاجز الخوف لمجتمعات عربية أخرى، لتبدأ في مصر. وفي حال نجاح التجربة المصرية، بغض النظر عن البدائل الموجودة هناك، وخصوصاً ان مصر تقع تحت تأثير الفكر الديني للمنظمات الإسلامية وتغلغلها في المجتمع من أجل الإستيلاء على الحكم، ورغم هذا، علينا جميعاً أن ندعم أية حركة ثورية مهما كانت النتائج والإستعداد لأي هجوم فيروسي ديني.

قبل السؤال عن المصير المجهول لهذه الشعوب الثائرة، وخصوصاً، في ظل وجود شحن ديني واستفادة الإسلاميين من كل فرصة لإمتطاء ظهورها، فلا فرق بينهم وبين العلائق التي تعيش وتحيا على دماء الشعوب. فهم كحكام هذه المنطقة، يبيعون سكوك الأمان والعيش الكريم من دون أية أرصدة أرضية، ليحولوها إلى أرصدة سماوية قابلة للطعن في حال أية محاولة فردية ترغب بإستعادة كيانها المفقود.

ربما حان الآوان أن تتلاحم القوى المتنوعة، بكل أطيافها الأثنية ومعتقداتها المختلفة التي توحدها رغبة جامعة وحالمة بمستقبل أرضي جديد. وربما حان الآوان للعمل على وضع استراتيجية معينة من أجل التصدي للفكر الديني من دون مراوغة أو تملق.

لا يهم أن تكون الرؤى أو الحلول واحدة، ما يهم هو النتيجة والهدف النهائي الذي تسعى إليه البشرية عموماً، وكما يقول البوذيون “يمكننا أن نسلك طرقاً متعددة للوصول إلى قمة الجبل، وعند وصولنا إلى القمة سنرى جميع الطرقات والمسالك”.

لهذا، أعتقد أن علينا البدء في إيجاد برنامج اجتماعي اقتصادي يصب في مصلحة الفرد أولاً، ومن ثم الجماعة بعيداً عن كل الانتماءات الدينية والعرقية لتشكيل رادع ضد السرطان الإسلامي المتشدد المدعوم بأموال النفط السعودية.

لا شك أن هناك عوامل كثيرة مهدت لهذا السرطان الديني المتغلغل لتشكيل أرضية متينة في نفوس شعوب بائسة، جائعة عانت على مدى عصور طويلة من حروب واحتلال واستبداد، وتعاني إلى الآن من فراغ فكري، فجاء الدين ليقوم بتعويض ما افتقدته هذه الشعوب من خلال دغدغتها بأحلام وردية.

ولا شك أيضاً أن هذه المنظمات الإسلامية بارعة في تنطيم و تجنيد عناصرها، وفي توظيف الأثر النفسي السلبي التي عانته هذه الشعوب في القرون الماضية لمصالحها ومصالح رجال الدين المستفيدين بالشكل الأول من هذه المنظومة الاجتماعية.

وبالطبع في ظل حكومات قمعية مرتشية، مستبدة لم تهب الأفراد والمجتمعات إلا الخراب والانهيار الاقتصادي، جعلت من هذه الشعوب حقلاً سهلاً لزراعة السموم الدينية، فأصبح من السهل أن ترتدي هذه المنظمات الدينية رداء العفة والنظافة والأخلاق، لتوهم هذه الشعوب بمستقبل زاهر. لا بل أكثر من ذلك، تقوم هذه المنظمات على دغدغة أحلامهم لتعود بهم إلى عصر النهضة الإسلامي حيث الرخاء والمتعة والسعادة، لتعدهم بانتصار واه على الجميع.

تعلم هذه المنظمات الاجتماعية السياسية الدينية، وبكل حرفية، أين تضع أصبعها على الوتيرة النفسية التي يمكنها أن تحرك الأفراد، فهي تعلم كمية الشوق والحنين لانتصار نفسي يستطيع أن يمحي أثر الانهزامات الطويلة.

أجد أن علينا إعادة ترتيب التاريخ أولاً، والتنبيه إلى أن النهضة الإسلامية لم تكن حصيلة الثقافة الآتية من شبه الجزيرة العربية، بل كانت في أوج حضارتها في عصر الأمويين والعباسيين، علماً ان هذه الأخيرة هي حصيلة تراكم حضارات سابقة تواجدت في منطقة الشرق الأوسط، بما فيها مصر.

إذن، كانت هذه النهضة والمعرفة نتاج حضاري لشعوب عدة اختلطت فيما بينها، وكما نعلم أن الدين هو منتوج بيئي لا يمكنه أن يتجاوز أعراف وثقافة محيطه.

استطاع الدين الإسلامي المتشدد أن يجند بعض الأفراد وأن ينعش ذكرى الجهاد عند ضعاف النفوس، ليشكل جوقة من الانتحاريين الراغبين في الموت والقتل في آن واحد.

ومما لا شك فيه أن حق الإنتحار مكفول لأنه حق فردي، بينما يعتبر حق القتل جريمة إنسانية.

ولمحاربة هذا المفهوم، أجد انه يتوجب علينا المصالحة مع الموت في ظرف تكاد أن تكون الحياة شبه معدومة، ففي ظل هذه الظروف الحياتية القاسية، علينا إعادة ترسيخ طريق السامورائي الياباني الذي توجب عليه اختيار الموت على الحياة في ظروف الأزمات، فعندما تتساوى فرص الحياة والموت، على الساموراي اختيار الموت بكل شجاعة وحكمة.

وعندما نستطيع التغلب على قلق الموت، يمكننا أن نجابه كل ما يعترض مسار الحياة بشكل أقوى، لهذا علينا أن نتمتع بليونة في أية استراتيجية وأن نتمكن من تغييرها حسب الظروف المحيطة.

أعتقد و بشدة أن أية استراتيجية قائمة على التنظيم والإرادة وسرعة الحركة والبديهة في تبني ما يناسب الطبيعة النفسية لمجتمعاتنا مع ليونة في التفكير واعتماد الطرق من دون نوازع “أنوية” قادرة أن تكون الرادع الأقوى للإسلاميين.

لا يسعني إلا أن أنهي هذا المقال لمقولة مؤسس فن الحرب الصيني سون تزو “الخسارة والربح لم تولدا بمحض صدفة، ولا من تدخل إلهي أو روحي، بل من تبني طريقة واستراتيجية معينة، فالأسس الاستراتيجية الجيدة لا يسعها إلا أن تقود إلى الانتصار”.

المصدر : الإلهام السامورائي في مواجهة الإسلاميين

الصفحة : 1 – 2 – 3 – 4 – 5