26/08/2008

تعرضت البشرية وعلى مر عصور عديدة إلى اضطهادات كثيرة تمت على يد الإنسان نفسه، لكن ومع مرور الزمن استطاع الإنسان أن يبدأ في وضع أسس و قوانين ثابتة للعدالة وعدم التمييز بين الجميع… إلا انه وبالرغم من تأسيس هذه القواعد، لم يستطع السيطرة على الرغبات الأنوية الضيقة في اثبات أناه مما دفعه إلى  التشبث بنظريات عنصرية نحو الآخر ليتم تعويض حالة العجز الفردي عن إعطاء الجديد،  فهو كفرد أو ككتلة جماعية يتمسكان بهذه العنصرية الضمنية التي تجعلهما مميزان عن الآخر، وهذا بالطبع لا يتم إلا من خلال ايجاد الحجج اللازمة لاضطهاد أفراد، أعراق وأنواع أخرى.

إذا القينا نظرة واسعة على هذا المسرح الجماعي للبشرية الممتد منذ وجود الإنسان، لا نستطيع إلا ان نستنتج ان تطور الإنسان في فكره واقترابه إلى الطبيعة الإنسانية أصبح وارداً من خلال ازدياد وعيه وتوسع إدراكه.

حارب الإنسان ويحارب إلى الآن  العنصرية ذات الأوجه والأشكال المتعددة، التي تتوجه أحياناً ضد لون بشرة معينة، دين مختلف أو ضد الجنس الآخر، إلا اننا ننسى أو بالأصح نتغاضى عن الكلام في استباحة الأنواع الأخرى. فبالرغم من تسامي المشاعر عند الإنسان، وإحساسه بقرينه، إلا انه مازال يفتقد إلى طبيعته الإنسانية الكاملة التي لا يمل أبداً عن التباهي والتماهي بها، فطبيعته الأنوية الضيقة ما زالت تشكل حاجزاً بينه وبين الإنسانية،  وإذا أحببنا أن نعرف مفردة الإنسانية سنجدها مرتكزة على أسس واعية لدى الإنسان لإدراك تفاعلاته النفسية الداخلية وإدراك كل ما يحيط به من الخارج، ليتمكن بعدها في اختيار اسلوب وطريقة تعايش مع كل من يختلف عنه، وهذا يقودنا بالطبع نحو تحمل المسؤولية تجاه نوعنا البشري وتجاه جميع الأنواع الحية.

بالرغم من القفزات العملاقة التي خطاها الإنسان، لم تستطع البشرية كبح شعور القلق البدائي الساكن في أعماقها والذي تم تصعيده لاحقاً، فالبعض يشرع استعباد الحيوان كما شرع الكائن الإنساني استعباد قرينه. انها الحاجة البدائية المتناقضة مع مبدأ الاختيار، فمن يبرر لنفسه عملية قتل الحيوان للغذاء والنمو، عليه أن يلقي نظرة على الدراسات الصحية الحديثة ليعلم ان الغذاء النباتي هو أفضل نظام صحي وجد لبنية الإنسان.

إذن، نستطيع أن نقول ان هذه الحاجة عبارة عن عادة متمرسة في أعماقنا تتحكم في اسلوبنا وسلوكنا تجاه ما يختلف عنا ونجهله لتحد المساحة الإدراكية لدينا، ربما لأنها تعود بنا إلى ذكريات دفينة يسترجع  الإنسان من خلالها ذكرى انتصاره على قلقه من خلال انتصاره على الأنواع الأخرى.

 لم يمتلك الإنسان البدائي فرصاً للاختيار، ففرصته الوحيدة من أجل البقاء على قيد الحياة اعتمدت على قتل الآخر، إلا أنه   ومع مرور الزمن و  اكتشاف الزراعة، استطاع ان يبدأ رحلته الواعية التي هيأت  و تهيئ له فرصاً عدة للاختيار، ومع ذلك نجد ان البعض مازال متشبثاً بعادات بدائية وعنصرية، ربما لملأ الفراغ الشاسع الموجود في داخله.

 من هنا يحق لنا إعادة النظر في جميع الحجج التمييزية، لأنها  أسست على مبدأ اباحة الآخر لعدم كفاءاته، أو بالأحرى، وجدت هذه الحجج لضيق أفقنا الإدراكي وعجزنا عن معرفة ما نجهله.

 ألم يبنى مبدأ التمييز بين الأفراد والعنصرية بين الأعراق على أساس ان البشر ليسوا سواسية في الذكاء أو الابداع؟

ألم ينظر للنساء على مدى عصور، على انهن الجنس الأقل كفاءة من الرجال؟

ألم يتم قتل اليهود للاعتقاد بأنهم عناصر بشرية لعينة لا تستحق الحياة؟

ألم يتم تمييز الإنسان على حسب دينه بحجة ان البشر ليسوا سواسية عند الله؟

إلا ان الإنسان استطاع ان يرتقي بفكره، ليدين هذه الأعمال الدونية، إلا اننا نسينا أن ندين تمييز النوع البشري على النوع الحيواني، وكما يقول اسحاق سنجر “جميعنا نازيون ضد الحيوان……نمارس النازية كل يوم، فكل يوم هو محرقة تربلينكا بالنسبة لهم”.

فلو نظرنا إلى أطباق اللحوم التي نستلذ بها يومياً، لن نجد فيها طعماً لذيذاً، بل سنجد وحشية ضد كل أنواع الحيوانات، وكما قال تولستوي “الإنسان يدمر بداخله مشاعر روحانية سامية، يدمر الاحساس بالحنان و الشفقة على مخلوقات تشبهنا……فإذا جعلنا أجسادنا قبوراً لجثث حيوانية مقتولة، فكيف يمكننا أن ننظر لعالم أفضل؟”.

هناك الكثير من الأفراد والجماعات التي تبرر، وإلى يومنا هذا، عملية القتل اليومي للحيوان، فهي تحصر قيمة الحياة بقيمة الإنسان وبما يقدمه لتطور البشرية، لكن الحياة لا تنحصر على النوع البشري، بل تمتد إلى كل كائن تنبعث منه الحياة، فإذا أعدمنا حق الحياة عند الحيوانات لعدم قدرتهم على تقديم أي شيء لتطوير الإنسانية، فعلينا أيضاً اعدام جميع البشر الذين لا يقدمون شيئاً للإنسانية.

ليس بمقدور الجميع المساهمة في اعطاء الجديد للبشرية، فهل هذا يحرمهم من البقاء على قيد الحياة؟.

لا يمكن للإنسان أن يتطور إلا من خلال نمو شعور التعاطف مع الغير، إن كان من نوعه البشري  أو من أنواع حية أخرى.

هذا الشعور بالتعاطف يدفعنا إلى حماية البيئة التي أصبحت ضرورة حتمية للبقاء، فالعلاقة مترابطة ما بين التهام لحم الحيوان وحماية البيئة، فبنظرة واحدة إلى تقرير منظمة الفاو، نستطيع أن ندرك حجم الكوارث التي تسبب في تلوث البيئة .

صرح ديفيد مولدن من منظمة الفاو في تقريره أن استهلاكنا للحوم هو سبب من أسباب تلوث البيئة، فنقل المواد الغذائية للاستهلاك الحيواني تصدر عنه2,4 مليار من الطن من غاز ثاني اكسيد الكربون في السنة.

كما أعلن أيضاً عن كمية الاستهلاك الحيواني للماء والنبات “حسب الظروف العمالية من الانتاج، نحتاج لإنتاج كل كيلوغرام من لحم الحيوان ما بين 5000 و25000 لتر من الماء، أما لإنتاج كل كيلوغرام من البروتين الحيواني، فإننا نحتاج إلى عشرة كيلوغرام من البروتين النباتي”.

مع العلم أيضاً ان الدول الصناعية تشتري 80% من حبوبها لتعليف حيواناتها من الدول النامية، هذه الدول التي تشكو شعوبها من سوء التغذية، فعلى سبيل المثال، تبيع البرازيل 70% من محصولها النباتي إلى الدول الغنية، مع أن هذه الكمية تكفيها لإطعام سكانها الذين يشكون من الجوع. كما نجد دراسة أخرى للاقتصادي جيريمي ريفكن تقول “هذه النسبة من الانتاج العالمي للحبوب، أي 670 مليون طن تكفي لغذاء 850 مليون انسان يشكو من سوء التغذية”.

والآن وبعد هذه الدراسات، يجب على الإنسان أن يفكر ملياً بغذائه، فعليه إدراك ان كل بروتين حيواني يريد ادخاله إلى فمه، يحرم مقابلها إنساناً أخراً من غذاء تسع بروتينات نباتية.

المصدر : العنصرية الرابعة

الصفحة : 1 – 2 – 3 – 4 – 5