17/10/2009

 لطالما تساءلت عن أسباب ابتعاد المجتمع العربي عن الحقائق العلمية، وانجذابهم نحو الخرافة والأسطورة الدينية ، لأجد أن السبب الأساسي هو عجز صحفيينا ومحررين الجرائد عن نقل أية معلومة بشكلها الصحيح من غير اللجوء إلى تحريفها لتتجاوب مع أفكارهم ومعطياتهم النفسية.

إذن، المشكلة هي وقبل كل شيء هي بالأفراد الذين يعتلون منصباً معيناً، فيسمحون لأنفسهم باختزال ما يرغبون اختزاله وتحريف المعلومة على حسب معتقداتهم وإيمانهم. فأغلبية محررينا وصحفيينا في الجرائد والمواقع الرسمية ذوي الجماهيرية الواسعة، يشاركون ممولين هذه الصحف والمواقع الجهل التام في تفسير المقالات العلمية والثقافية.

ومن هنا يحق لنا الاستفسار عن امكانياتهم الجدية باتقانهم لغة أجنبية أو بمصداقيتهم في نقل المعلومة، مع اعتقادي بتواضعهم الفكري.

فمنذ أيام تفاجئت تماما من طريقة تداولهم للاكتشاف العلمي الأخير ل”اردي” ،فالاكتشاف الأخير يصب تماماً في خانة نظرية التطور وليس عكسه. إلا ان انتماءاتهم العقائدية جعلتهم يحرفونه ليغذوا إله التخلف والجهل.

سأتطرق قليلا إلى “اردي” الأنثى التي وجدت منذ 4،4 مليون سنة ،وربما تكون الأقرب إلى السلف المشترك ما بين الإنسان والقردة الكبيرة ومنهم الشامبانزي ،كما قال الأنتربولوجي تايم وايت.

شق لنا داروين طريقاً معرفياً من خلال نظرية التطور والاصطفاء الطبيعي، فالعلم والمعرفة لم يتوقفا عنده، ولن يكتفيا باستكشاف الحفريات الأخيرة ،حيث إن العلم يقف موقف المراقب للظواهر والمنقب للحفريات والآثار، فهو لا يمل في البحث عن المعلومة الأقرب إلى الصحة من دون أن يتبناها كوجهة نظر ثابتة، كما تبنت فرضية الإله منحىً لا يتغير ولا يتحول.

لننظر إلى الإله الأسطوري الخالق لكل شيئ، نراه يستمد منظومته من حقبة سابقة لحقبة الروحانيات. فإذا توغلنا في ينبوعه الوقودي، نراه محاولة لتشخيص الظواهر غير المفهومة، إذ المعرفة والإدراك للخارج ضعيفاً عند الإنسان البدائي، فاختلطت التجربة الخارجية بعدم المعرفة لتتفاعلان مع المشاعر والرغبات المتأصلة في الإنسان، لينتج عنها تخيلات لقوى وأرواح ومن ثم آلهة من أجل تفسير الظواهر الطبيعية. و من خلالها استطاعت الخرافة  شق طريقها إلى الإله والاستيلاء الشبه الكامل على مضمونه.

لنسافر في حقبات مضت، نجد أن فكرة الإله البطل والملك الإله أساس الإله الخالق ،فقد استطاع السحرة آنذاك مد سيطرتهم السياسية ومن ثم الدينية على أفراد الجماعة الجاهلة والخائفة من أمور عديدة والناتجة عن عدم المعرفة، ليستمد إله اليوم وجوده من جهل الأفراد ومحدودية تفكيرهم كي يمارس سطوته ويجعل من نفسه جلاداً أبدياً لجماعاته، فهو المستبد الأعظم.

لا يختلف الإله الساحر عن الإله الخالق فكلاهما يستمدان وقودهما من الفكر الجاهلي لأفراد الجماعة، فنجد أن القاعدة الأساسية لجميع الآلهة مرتكزة على خصائص نفسية داخلية للأفراد لتتفاعل مع التجارب الخارجية للمحيط، أي بين التفكير الفردي المختلط بخيالات كثيرة  و المادة المحيطة.

تمكنت التجربة الداخلية لبعض المتميزين في عصورهم، السيطرة على الكتلة الجماعية، إما بإرشاداتهم الاجتماعية أو بقدرتهم الفذة في ملاحظة أعراض مرض معين مع استطاعتهم على معالجة البعض…مما أدى إلى اكتساب هؤلاء الأشخاص قوة نافذة على جماعاتهم، ليتم اعطائهم صفة القائد الساحر وبعدها القائد الإله.

فماهي قواعد السحر؟

قسم فريدزر السحر إلى شقين ،الشق السلبي المتمثل في التابو والايجابي المتمثل في الشعوذة اللتان هما أساس ركائز الإله. تقول الشعوذة:”افعل هذا الشيئ كي تحصل على ذلك الشيئ” أما التابو فيقول:”لاتفعل هذا الشيئ كي لا يصيبك ذلك البلاء”.

إذن، نجد أن هدف السحر بشكل عام هو  الحصول على شيئ مرغوب أو تجنب شيئ ضار. أو بمعنى آخر، الحصول على غاية خيرة واجتناب الضارة ،مثل مفهوم الإله. وكما يتطلب السحر ممارسات وصلوات وتضحيات أحيانا، يتطلب إله اليوم نفس الممارسات والتعبد إليه.

تستمد وظيفة الساحر، سابقا، نفوذها من خلال الحفاظ على الطقوس السحرية المتبعة آنذاك، وذلك للمحافظة على نفوذه وشأنه في القبيلة مع امكانيته لاعتلاء الرئاسة أو العرش الملكي لاحقاً.

نلاحظ أن الإله يستمد وقوده من عبادة الأفراد والجماعات له، فقد حافظ على الطقوس السحرية ليستبدلها، فيما بعد، بطقوس دينية، لنرى ان عامل الإيمان عند الأفراد لعب دوراً مهماً للتحكم بأجسادهم وعقولهم، فكلما توغل الأفراد في عباداتهم ،انصاعت تركيبتهم النفسية لأوهام وخرافات، لينتج عنها عجز عن استيعاب المعرفة والعلوم لديهم، بل أكثر من ذلك، تتملكهم الإعاقة في فهم الآخر المختلف، فنشاهد أن هذا العجز يدخلهم في قوقعة داخلية، ليصبحون أسرى لمخيلات سلبية.

نستطيع تفسير كراهية الدين في عصور لاحقة للسحر، وذلك بعد تعاون مشترك بين الكاهن والساحر لفترات طويلة، إلا ان الدين استطاع مد سيطرته على الأفراد. من هنا نلاحظ أن هناك أرضية مشتركة ما بين السحر والدين، وبين الساحر ورجل الدين، فكما كان الساحر وكيلا لدى الأرواح ،أصبح اليوم، وليس فقط رجال الدين، المجتمع العربي بأغلبيته وكلاء للدين والإله.

أعود إلى صحفنا كالجزيرة والقدس العربي ومصداقيتهم تجاه المعلومة والمعرفة والعلم بشكل عام، لنرى عقمهم الفكري في تداول المعلومة وطرحها، مع محاولاتهم الساذجة في غسل عقول القارئين لصحفهم.

لا أستطيع تفسير ذلك ،سوى باحتمالين اثنين:إما جهلهم بلغات الأجنبية أو تعمدهم من أجل اثبات فكرة الإله .

المصدر : اردي بين داروين والدين

الصفحة : 1 – 2 – 3 – 4 – 5