28/05/2010

تكلمت في مقال سابق “متلازمة الجنس والموت” عن خوف الذكر من فقدان عضوه الذكري، إلا انني في هذا المقال سأبحث عن خلفية هذه العقدة عند الذكر.

اعتبر اوتو رانك أن عقدة (فقدان العضو) تعود إلى لحظات الولادة، أي لحظة انفصال الأم عن الطفل من ناحية (انتوجينيز)، والأنتوجينيز عبارة عن دراسة الكائن الحي منذ بداية نشأته في الرحم، ليبني فرينكزي فرضيته على ان مبدأ المجامعة على صعيد (انتوجينيز)، عبارة عن محاولة لتحرير الضغوطات المؤلمة الناتجة عن لحظة الولادة، مع اكتفاء الاثارة والعودة إلى المشاعر الدافئة ما قبل الولادة.

نجد أن مفهوم (الوبلاستيك ادابتيشين) عند فرويد، فرينكزي و الكسندر فرانز، يقوم على مبدأ تأقلم النظام العضوي عند تعرضه لكم من الضغوطات، ويتم ذلك عبر طريقتين:

– محاولة تأقلم النظام العضوي مع المحيط من خلال تحولات داخلية للنظام نفسه وتدعى هذه المحاولة ب( اوتوبلاستيك ادابتيشين).

– أو بمحاولة النظام العضوي بإحداث تغييرات على المحيط الخارجي، كبناء العش عند الحيوانات، ومحاولات الإنسان المكثفة في تغيير البيئة الخارجية لصالحه، وتدعى هنا ب(الوبلاستيك ادابيتيشن).

نعود إلى الرغبة في الرجوع إلى رحم الأم، والتي تتجلى في عملية الجماع عند الكائنات الحية، فنرى_ على سبيل المثال_ ان  التزاوج عند العنكبوت يمكنه أن يستغرق في بعض الأحيان مدة السبع ساعات، وعند بعض الطفيليات يمكث الذكر داخل الأنثى، لتكون حالة جماع دائم.

بعد دراسات عديدة لحالات الجماع عند الكائنات الحية، توصل فرينكزي إلى أن حالة القذف عند الذكر والمترافقة مع الانفصال عن الجسد الانثوي، عبارة عن تكرار لعملية الولادة من جديد، التي كانت المؤثر الاول لخلق الانسان جنتة المفقودة، فالجنة ما قبل طرد الإنسان منها عبارة عن مكوث حالة الجنين في رحم امه، وعملية الطرد منها تعكس عملية الولادة.

شرح فرينكزي عملية تجمع الضغوطات الموجودة في أعضائنا ليتم تفريغها في الجهاز التناسلي، ومن ثم تعميم النشوة على كافة اعضائنا الجسدية بهدف اكتفائه. أي  وضع النظام العضوي كاملاً تحت تصرف الأعضاء التناسلية، ليتماثل نظامنا العضوي مع العضو المنفذ، فنجد ان “الأنا” يتطابق أثناء الجماع مع العضو التناسلي.

من هنا نجد معنى الروح عند جيزا روهيم كمرادف للنطاف، فبما ان “الانا” يضع نفسه ليتطابق مع العضو الذكري و الافرازات الجنسية كما فسرها فرينكزي، وبما ان الفراق مع العضو الجنسي الآخر يذكرنا بلحظة الولادة والخوف من هذه اللحظة والتي ترمز عند الذكر إلى انفصال عضوه عن جسده، الآتية من لحظة الولادة وانفصال الجنين عن أمه، فالذكر يستطيع تخيل العودة إلى الرحم من خلال العضو الأنثوي، بينما لا تستطيع الأنثى تخيل العودة إلى رحم الأم، فتقوم بتعويض لذة العودة من خلال رغبتها  بامتلاك العضو الذكري لتحقيق تلك العودة المستحيلة، لهذا ربما نجد ارتباط مفهوم النطاف مع الروح لدى الذكر و لا نجده لدى الأنثى.

إلا ان المختصين لم يتوقفوا عند دراسة العوامل الأولى على صعيد (الانتوجينيز) وما سببته من قلق نفسي، والذي دفع الانسان إلى الابحار في خيالات واسعة عبر الفن والدين والأساطير، فكلها تعكس الرغبة البدائية للرجوع إلى حالة ما قبل الولادة، لهذا نجد التقارب ما بين الاساطير بالرغم من المسافة الشاسعة الفاصلة بين الشعوب.

 أما على صعيد (الفيلوجينيز)، وهو علم الأنساب لجميع الأنواع، لا تتوقف الابحاث والدراسات عند نقطة الولادة، بل تتعمق في الكوارث البيئية لتدرس حالة الكائنات الحية وما تعرضت له من كوارث، وخصوصاً عند كارثة انحسار المياه، لتنتقل بعض الحيوانات المائية إلى البر كي تتأقلم مع المحيط الخارجي، حسب نظرية “لامارك”.

اعتبر “فرينكزي” ان التأقلم الناتج عنه حالة الجماع والتكاثر في رحم الأنثى، ليس الا استبدال المحيط المائي بمحيط  يشبه إلى حد ما الغلاف المائي، بل اعتبر ايضاً ان العراك بين الجنسين لاختراق الآخر، ربما يكون سبباً للخصائص الذكورية المرعبة بعد نجاح اختراق الذكر للأنثى.

يثبت لنا يوماً بعد يوم علم المتحجرات التحولات والتغيرات التي اصابت الأنظمة الحية، كما يؤكد لنا علم البيولوجيا الكثير من النقاط التي وضعت كفرضيات في علم النفس. أما المشككين بهذه الفرضيات والنظريات العلمية (بحجة وجود فرضيات مناقضة)، لا يجهدون أنفسهم بالبحث عن نقاط الاختلاف، فالعلوم جميعها متوافقة ضمن اطار عام. فمثلاً من يشكك في نظرية التأقلم مع البيئة للامارك أو نظرية الاصطفاء الطبيعي لداروين، عليه ان يلقي نظرة على فرضيه عالم النبات الايرلندي هيغو دو فريز الذي اعتبر ان التغيرات التي تطرأ على الأنواع الحيوانية هي تغيرات فجائية، فالتطور ليس عملية تدريجية بل هي تغيرات تتم عبر قفزات غير مستمرة ومفاجئة، ومنها ينشأ تغيير في الأنواع ويتم بعدها اصطفاء أفضلها الملائم للمحيط الخارجي بعد فترات طويلة.

أستطيع هنا مقاربة ما استنتجه هيغو دو فريز مع فرضية فرينكزي لجعل حالات الكوارث  وراء التغيرات الطارئة على الأنواع، حيث اعتبر ان الكوارث الفيلوجينيتيك قد تراكمت لتبقي اثارها في بلازما الخلية الحية كجميع التجارب المؤلمة، المؤرقة للفرد والمتجمعة في العضو التناسلي والذي يقوم بتفريغها من خلال الجماع.

المصدر : الجماع ولحظة العودة الى الرحم

الصفحة : 1 – 2 – 3 – 4 – 5